مؤكد أن القضاء المصرى فى محنة، ومؤكد أن المستشار ممدوح مرعى يلعب دورا مهما فى زيادة المحنة، ومؤكد أيضا أن تياراً ما يسمى «الاستقلال» لعب ويريد أن يلعب الدور نفسه. فإذا كان وزير العدل يسعى ل«تسييس» القضاء، ودق إسفين فتنة بين القضاة، فقد فعل تيار الاستقلال الشىء نفسه.. مرعى اتخذ سلسلة من الإجراءات والعقوبات الجماعية، وأخيرا اخترع فتنة بلا سبب، وقدم قانونا يحض على الغضب والكراهية ويضعف القضاء المصرى، قانوناً يسمح له بالتدخل فى شأن المجلس الأعلى للقضاء، ويعطيه حق تعطيل قرارات شيوخ القضاء، ويحول منصب رئيس المجلس الأعلى للقضاء إلى منصب شكلى، لأنه يرأس محكمة النقض التى تحظى بمنصب رئيس مجلس القضاء الأعلى ونائبى الرئيس، أما محاكم الاستئناف فتحظى بثلاثة أعضاء سيصبحون فى قانون مرعى خمسة، بالإضافة إلى اثنين ينتدبهما وزير العدل لرئاسة أكبر محكمتين ابتدائيتين، أى سيكون العدد سبعة والنائب العام، بينما يبقى أعضاء النقض ثلاثة كما هم، وبالتالى يتم شل رئيس المجلس تماما، وهذا هو هدف مرعى، كأن النظام يرتعد من وصول قاض محدد لرئاسة المجلس، وليس مهماً تقسيم القضاة إلى طوائف متنازعة، وفئات غاضبة. قانون مرعى هذا يمكن قتله بسهولة، إذا طعنه القضاة طعنة رجل واحد، وتنبهوا إلى أن المقصود تدمير ما حققه القضاء المصرى على مر تاريخ طويل. أما التيار المسمى «الاستقلال» فيرى نفسه صاحب الفضيلة والعدل وحامى القضاة، ولا يرى غيره، فالآخرون موالون وحكوميون، يكيل الاتهامات لكل معارضيه، ويصفهم بالتبعية والعمالة، كما جاء فى الحوار المطول الذى أجراه الزميل طارق أمين مع المستشار محمود الخضيرى ونشر فى «المصرى اليوم».. اتهم الخضيرى خصومه الذين أسقطوه فى انتخابات نادى قضاة الإسكندرية بالتبعية للحكومة، ولم يجد تفسيرا للمعارضة الشديدة التى يقوم بها رئيس النادى، المستشار إسماعيل البسيونى، لوزير العدل، وكذلك ينسحب الكلام على المستشار أحمد الزند. قال إنه لا يريد إحراج المستشار عادل عبدالحميد، رئيس مجلس القضاء الأعلى، وقدم استقالته فى عهده، رغم أن استقالته أو عدمها لا تحرج ولا تؤثر فى الوضع المحترم للمستشار عادل عبدالحميد.. اتهم المستشار مقبل شاكر بأنه قدم خدماته دون أن يحصل على شىء، ونسى أن الاستقبال الأسطورى لمقبل شاكر ليلة إعلان نتيجة انتخابات نادى القضاة، كان أكبر جائزة حصل عليها شاكر من القضاة وليس النظام، مكافأة له على إنهاء وجود تيار الاستقلال. أكد أنه طيلة حياته القضائية لم يحدثه أحد فى شأن قضية واحدة، فكيف يمكن اتهام الآخرين بأنهم قبلوا بالتدخل، وإذا كان هذا صحيحا فتلك أزمة ضمير لدى القاضى وليست أزمة النظام القضائى نفسه. وطوال حديثه المسلسل، وأنا أبحث عن السر الخفى لاستقالته، ولماذا الآن وقبل تسعة أشهر من خروجه الرسمى إلى المعاش، ولماذا لم يقدمها حين حدث تزوير الانتخابات، كما يقول، أو عندما عدل النظام المادة 88 من الدستور وألغى الإشراف القضائى على الانتخابات، أو عندما حدث اعتداء على القضاة، وكلها أحداث أقوى عشرات المرات مما يجرى الآن، خصوصا أن قانون مرعى مازال فى يد القضاة، وتقديرى الشخصى أنه سيموت، لكنه سيثير الكثير من الجدل واللغط. الخضيرى استقال فى هذا التوقيت لضرب عصفورين بحجر: الخروج من القضاء ببطولة لن يحدثها الخروج العادى، والدخول بقوة فى أتون معارك «الإخوان» عبر مكتب محاماة سيكون دخله أكبر بكثير من راتب نائب نقض، والأهم قضايا التحكيم.