عاشت بنت أبى بكر، الصديقة بنت الصديق، موفورة النشاط، تمثل المرأة فى تكوينها الأصيل الذى خلقه الله منذ خلق حواء، تتمثل فيها الأنثى الخالدة فى غيرتها ودلالها على زوجها وكل ما عرفت به الأنثى من حب التدليل وشدة الغيرة على الزوج المحبوب. تتدلل على زوجها وهى أشوق ما تكون إلى المصالحة، وإذا عرضت مناسبة للسن فليس أحب إليها إلا أن تقول: وكنت جارية صغيرة السن، أو حدث هذا لصغر سنى، وربما تختار من الروايات أقربها إلى التصغير وأولاها أن تميز بين زميلاتها بميزة الشباب، وقد رآها الصديق فى بيتها معجبة بثيابها فنهاها عن ذلك قائلاً: أما علمت أن العبد إذا دخله العجب بزينة الدنيا مقته ربه حتى يفارقها فنزعته وتصدقت به.. فهى عائشة كاملة فى هذه القصة الصغيرة: حواء التى تحب أن تنظر إلى زينتها وهى أيضاً أم المؤمنين التى تحب أن ينظر الله إليها وتطمح إلى زينة أعلى وأغلى. فطنة لسرائر النبى، نافذة إلى معانيه وسريرته، تحبه حب المسلمة لنبيها وحب الزوجة لزوجها، تعجب بجماله كما تعجب بأدبه وعظمة قدره، تغار عليه أشد غيرة عرفتها امرأة على زوجها وتتحلى بما يروقه من مرآها، وتعطى بنات حواء درساً لا ينسى حين تقول لامرأة: «إن كان لك زوج فاستطعت أن تنزعى مقلتيك فتصنعيهما أحسن مما هما فافعلى». حبها العروة الوثقى فى قلب محمد صلي الله عليه وسلم تسأله فى دلال عن حال العروة فيجيبها: على عهدها لم تتغير، ولم يكن فى أحاديث زوجات النبى ما فى أحاديثها من الإحساس بالقرب، وليست المسألة هنا كثرة أو قلة الأحاديث، بل قدرتها على النفاذ للطوية، ببداهة المرأة وبداهة الحب الأنثوى، تحضره إذا بايع النساء أو جلس إليهن فيوكلها بالتفسير حينما يعرض عن الجواب حياءً. لا يعرف على التحديد فى أى سنة ولدت عائشة، وهو شىء لا غرابة فيه بين قوم لم يتعودوا تسجيل المواليد، ويرجح أنها كانت فى الرابعة عشرة من عمرها، حين تزوجت النبى، يؤيده أنها كانت مخطوبة قبل خطبتها إلى النبى ورغم مكانتها فى بيت أبيها لم تشعر بوحشة الانتقال إلى بيت النبى لأن عطفه كان غامراً لا يُلجأ إلى عطف سواه، تركها على سجيتها تلعب بالعرائس مع صواحبها الصغار ويتعهدها بما يسرها إلى الحد الذى يعجب منه صحابة لا يفهمون وقار الدين كما يفهمه، ولا تتسع صدورهم لما يتسع له صدره.. عطف لا نظير له بين الأزواج.. أغدق عليها حنان أبوته، فكانت عنده طفلة تنعم بالتدليل وتسعده بالطرافة والجمال.. وعرف الكل مكانتها لديه فكان يعدل بينها وبين زميلاتها، فيما يملك العدل فيه، ويستغفر ربه لميل قلبه قائلاً: «اللهم هذا قسمى فيما أملك فلا تؤاخذنى فيما تملك ولا أملك».