فى كل يوم من أيام هذا الشهر سوف تقرأ مقالة مستمدة من إسلاميات العقاد، طموحى من نشرها أكبر بكثير من توضيح معلومة أو زيادة علم أو نقل معرفة، طموحى الحقيقى أن يحدث لنا - مع نهاية الشهر الفضيل - انقلاب استراتيجى فى طريقة تفكيرنا، أن نميز بين جواهرنا الحقيقية والمزيفة. لقد قيل فى خلافة الصديق ما لا يخطر على بال أحد إلا أن يجمح به التعنت إلى أبعد مدى، قالوا مؤامرة بين عائشة وأبيها، وقالوا بل هى مؤامرة بين أبى بكر وعمر وأبى عبيدة، اتفقوا على تعاقب الحكم واحداً بعد واحد، وينسون أنه ليس فى سيرة أبى بكر وعمر بعد أن وليا الخلافة ما ينم عن طمع فى السطوة أو حرص على زهو الملك. ولو أنصفوا لقالوا إن خلافة الصديق كانت خيرة الواقع الذى لا يحتاج إلى تدبير، فمن غيره اجتمع له شرط السن والسبق إلى الإسلام، والصحبة فى الغار، والمودة المرعية بين أجلاء الصحابة، ومعظمهم دخل الدين على يديه، وإلى من كانت تصير لغيره؟ أتصير لعمر وهو أصغر منه بعشر سنين وليست له سابقته فى الإسلام أو صحبة النبى، ولم تكن ألفة الناس له كألفتهم لأبى بكر، لا هو بأقوى منه عصبية بين بطون قريش، ولا هو الذى يشغب على أبى بكر ويعصيه بل كان أول من بايعه للخلافة؟ أتكون لعثمان وقد أسلم على يدى أبى بكر، وعصبية بنى أمية فى يد أبى سفيان الذى لا طريق له إلى الخلافة وإن طمع بها، وتنزه عثمان أن يركن لهذه العصبية ليزاحم أبا بكر فى حق لا ينكره ولا ينفسه عليه، أم تكون لعلىّ، وهناك كما أسلفنا، عقبة السن فى أمة ترعى مكانة الشيوخ، وعقبة الحقد الكامن فى الصدور من سيفه المبلل بدماء صناديد قريش الذين قتلهم مشركين، أضف إلى ذلك أنه لا يوجد وصية أصلاً من الرسول؟ عند وفاة عمر بن الخطاب جُعل الأمر شورى بين ستة مرشحين للخلافة، وانتهى الأمر ببيعة عثمان، رغم أن فارق السن كان فى مصلحة علىّ هذه المرة فقد ناهز الخامسة والأربعين بينما كان عثمان متقدماً فى السن، لكن قريش كانت فى جفوة منه لأنه قتل منهم رؤوساً كثيرة فى حروب المسلمين مع قريش. سارت الأمور فى النصف الأول من عهد عثمان على خير حال قبل أن تسوء لطعن الخليفة فى الشيخوخة واستغلال بعض ذوى قرباه لينه وحياءه المشهودين فى الحصول على منافع دنيوية، وإقبال الدنيا بعد الفتوح العظيمة ففترت عزيمة التمسك بالتعاليم النبوية، وعظم رغبة الناس فى التفكك من القيود الصارمة، وحدوث تفاوت ملموس بين المترفين والمحرومين، وسخط طبقة القراء والعابدين على إهمال تعاليم الرسول، وسخط العبيد والموالى على عدم تطبيق تعاليم الإسلام فى المساواة والعدل وتمييز الناس بالتقوى لا على العرق والعصبية. كان الإمام على فى أصعب موقف ممكن، فهو مطالب أمام الثوار باستنكار المخالفات، ومطالب أمام الخليفة بكبح جماح الثوار، واجتهد كرم الله وجهه فى دفع الأذى عن عثمان بكل وسيلة حتى إنه وضع ولديه الحسن والحسين أمام باب دار عثمان، وطلب من الخليفة الإذن له بقتال الثوار فرفض سيدنا عثمان أن تراق بسببه الدماء.