«هى تجربة أمتعتنى.. وأجهدتنى.. تجربة معجونة من الشوق والقلق.. الحنين والتوتر.. الإقبال والتردد.. لقد اختار الناشر هنا أن يقدم للقارئ مقالاتى فى الشباب.. لكنى أقدم لك قلبى فى الشباب، قلباً ينبض بالعربى الفصيح.. وغالباً بالعربى الصريح.. وأحيانا بالعربى الجريح.. ومعذرة لو أراد القلب بعدها فرصة لقليل من الراحة». الصحفى الكبير محمود عوض، تستمع صوته الهادئ عندما تبصر كلماته تلك التى خطها فى مقدمة كتابه «بالعربى الجريح» الذى يعتبر سياحة ممتعة فى السياسة والفن، والاقتصاد والتاريخ والأشخاص. وللكاتب الراحل موقع إلكترونى على شبكة الإنترنت يحمل نفس الاسم وينشر فيه مقالاته المعنية بالشأن العام المصرى والعربى، والمنشورة فى صحيفة (الحياة) اللندنية ومقتطفات مما كتب عنه الذى ينوه عن الكتب التى ألفها الراحل التى كان آخرها «وجع فى القلب» الذى صدر عن دار المعارف. ولد عوض بمدينة طلخا المجاورة للمنصورة عاصمة محافظة الدقهلية وعمل فى صحيفة «أخبار اليوم» لسنوات طويلة وكان الكاتب الكبير إحسان عبدالقدوس يلقبه ب«عندليب الصحافة». ظلت حياته الخاصة لغزاً وكتاباً مغلقاً ومنطقة محظوراً الاقتراب منها وقد أحاطها بسياج فولاذى فى الحوارات والمناقشات العامة أو حتى فى الجلسات الخاصة مع الرفاق والأصدقاء، كان يميل إلى حياة الوحدة والعزوف عن الزواج طوال عمره الذى ناهز السبعين. كان يرفض بشدة تفسير السبب فى حياة العزلة والعيش منفرداً دون زوجة وأطفال أو أسرة يكون ربا لها، فكان يعتبرها أموراً شخصية جداً لا يجوز التحدث بشأنها. ولكنه كان معروفاً عنه احترامه الجم لزملائه وأنه لم يرفض أى دعوة كان يقدمها صحفى له. وعرف عوض الكثير عن كواليس الصحافة وأسرار الفنانين ولكنه آثر ألا يخالف العهد الذى قطعه على نفسه بألا يكشف عنها لأحد. كما كان مشهوراً بمجاملته لأصحاب الأعمال المتميزة من الصحفيين الذى كان لا يتردد فى الاتصال بهم ليهنئهم على سبق أو انفراد مدوٍ، أو تحقيق استقصائى قوى ولا يتردد فى إبداء إعجابه بهذه الأعمال.وكان محمود عوض معروفاً بدقته الشديدة فى إنتاجه الصحفى خاصة فى الملف السياسى واهتمامه بالشأن العربى وهو ما تجلى فى مقالاته وكتاباته. ويرجع له الفضل فى تأسيس جائزة نقابة الصحفيين عندما كان عضواً بمجلس النقابة حيث اهتدى لهذه الفكرة تشجيعاً للكفاءات الصحفية والأقلام المتميزة، والأعمال الهادفة ولكنه اشتكى فى تصريحات خاصة له ل«المصرى اليوم» من تدهور هذه الجائزة، بعد أن ترك المجلس، وتوقفها لفترة منتقداً تحولها إلى ساحة للمحسوبيات والمجاملات الشخصية الضيقة وغطاء للشفافية. وكتب عوض فى عدد من الصحف الكبرى من بينها الحياة اللندنية والاتحاد الإمارايتة، كما كتب للإذاعة مسلسلاً واحداً قدمه عبدالحليم حافظ تحت اسم «أرجوك لا تفهمنى بسرعة». وقد أبدى الزميل الصحفى سعيد الشحات، المقرب من محمود عوض، إعجابه الشديد بكتابات الفقيد الراحل فى مقال له تحت عنوان «فى حضرة محمود عوض» قال فيه: «نحب من قلمه قراءة السيرة الشخصية كما قدمها فى (أم كلثوم التى لا يعرفها أحد) و(محمد عبدالوهاب الذى لا يعرفه أحد) حيث يضع الاثنين فى سياقهما التاريخى والإنسانى، كما نحب عمقه فى قضايا السياسة بدءاً من الاهتمام بهوامش القضية مروراً بجوهرها، وانتهاء باستخلاص النتائج والعبر منها، والنموذج الدال على ذلك كتبه: «ممنوع من التداول» و«أفكار إسرائيلية» و«الحرب الرابعة» و«متمردون لوجه الله» و«عليكم السلام».كما يبدى الشحات إعجابه بعوض وبمقالاته التى يصفها بأنها صارت «ماركة مسجلة» باسمه ومنها: «عبدالناصر يأتى ربع ساعة كل مائة عام» و«عبدالمنعم رياض نهاية البداية» و«مصر تصبح أكبر أو أصغر بشعبها»، و«فى الغابة الدولية يحصل الأقوى على ميزة مجانية هى اهتمام الآخرين». ويعتبر عوض الصحفى الوحيد الذى أسقط لقب الزعيم عن الفنان عادل إمام قائلاً إنه من العدل القول بأن الفنان العربى الجدير بلقب الزعيم هو دريد لحام، حيث كان يرى أن لحام يستحق هذا اللقب لعدة أسباب، من بينها أنه فنان لم يعط ظهره لقضايا وطنه وأنه يرى نفسه فى المواطن العربى المقهور.