فى كل يوم من أيام هذا الشهر سوف تقرأ مقالة مستمدة من إسلاميات العقاد، طموحى من نشرها أكبر بكثير من توضيح معلومة أو زيادة علم أو نقل معرفة، طموحى الحقيقى أن يحدث لنا - مع نهاية الشهر الفضيل - انقلاب استراتيجى فى طريقة تفكيرنا، أن نميز بين جواهرنا الحقيقية والمزيفة. الديمقراطية فى الإسلام هذا مقال حزين يذكرنا بواقعنا المرير الذى نتخبط فى محاولة تغييره، الديمقراطية: الفراشة المراوغة التى لا نستطيع الإمساك بها والأمل الذى أنهكنا تمنيه. وكان العقاد يحتاط - مقدما - من حساسية بعض المتدينين صوب مصطلح مستورد من الخارج، فيقول إن العبرة بالمعنى والمهم هو الجوهر، والجوهر المقصود هنا هو حرية المحكومين فى اختيار حكومتهم سواء سميت هذا الديمقراطية أو غيرها - وشريعة الإسلام كانت الأسبق إلى تقرير الديمقراطية الإنسانية التى يكسبها الإنسان لأنها حق من حقوقه وليس لهدف من أهداف السياسة، وقامت منذ البداية على ثلاثة مبادئ: المسؤولية الفردية، وتساوى الحقوق بين الناس، ووجوب الشورى على ولاة الأمور. المسؤولية الفردية مقررة بوضوح فى القرآن الكريم، فلا يحاسب إنسان بذنب إنسان آخر «ولا تزر وازرة وزر أخرى»، ولا يحاسب بذنب آبائه وأجداده «تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون»، ولا يحاسب الإنسان إلا بعمله «وأن ليس للإنسان إلا ما سعى»». أما عن تساوى الحقوق بين الناس، فالقرآن صريح فى مساواة النسب «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم»، ولا تغنى الأنساب شيئًا «فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون»، وفى الأحاديث النبوية: «يا فاطمة بنت محمد سلينى ما شئت من مالى، لا أغنى عنك من الله شيئًا»، فليس فى الإسلام دعوة مقصورة على جنس أو عصب، بل كانت العصبية أبغض شىء إلى صاحب الدعوة. أما عن وجوب الشورى على ولاة الأمور فمذكورة بوضوح: «وأمرهم شورى بينهم»، «وشاورهم فى الأمر». ديمقراطية إنسانية أجمل ما فيها أنها لم تشرع إجابة لطلب أو خوفا من غضب، بل شرعت وهى تغضب الأقوياء ولم يطلبها الضعفاء، قوامها إله رحمن رحيم، يجرى الكون على سنن، ويحاسب الخلق ببلاغ ونذير، ولا يظلم أحدا، ونبى ليس بالمسيطر ولا بالمتجبر، ولكنه بشير ونذير، وليس له من الأمر شىء، والأمر بينه وبين أمته قائم على المشاورة ومكارم الأخلاق، وإمام يطيع قبل أن يطاع، ويتولى الحكم من أيدى المحكومين، وأمة هى المرجع فى كل سياسة، تدين بها لخالقها ولا فضل فيها لأحد من الناس. هكذا ينتهى الكتاب: مرافعة بليغة من العقاد الذى يظهر اعتزازه بدينه واقتناعه العقلى بالإسلام فى كل مؤلفاته، لكنه لم يجب عن تساؤلات محرجة: ما الذى تحقق من هذه المبادئ الرفيعة على أرض الواقع؟ ولماذا كان الحاكم يملك سلطة مطلقة؟. ووجد من علماء المسلمين من يعطيه الشرعية - بذريعة الخوف من الفتنة - حتى لو أخذ المال وجلد الظهر، وكأنه لا توجد حلول وسط بين الخروج المسلح والصبر المهين!!.