عادت الدماء إلى شرايين أندية كرة القدم المدينة فى الأرجنتين بفضل الدعم المالى المقرر أن تحصل عليه من الدولة من الآن فصاعدا، فى الوقت الذى تثار فيه الشكوك حول مدى تأثير الصفقة فى التسبب فى خسائر للحكومة التى تصر على الدفاع عن الساحرة المستديرة كصناعة، وعن حق الجماهير فى متابعتها مجانا. وأعلنت الرئيسة الأرجنتينية كريستينا فرنانديز دى كيرشنر أن الأموال التى ستدفعها الدولة للاتحاد الأرجنتينى لكرة القدم سنويا مقابل حقوق بث المباريات وتسويقها، ستقدم من حصة الحكومة من أرباح الإعلانات. وينص الاتفاق على أن تدفع الحكومة 600 مليون بيزو سنويا (نحو 155 مليون دولار) للاتحاد الأرجنتينى لمدة عشرة أعوام. وتم هذا الاتفاق فى أعقاب فسخ الاتحاد من جانب واحد تعاقدا مع إحدى الشركات الخاصة كان يمتد حتى موسم 2013/ 2014 مقابل قيمة سنوية تبلغ نحو نصف ما تم الاتفاق عليه مع الحكومة. وأكدت الرئيسة أن «كرة القدم تجارة غير عادية ولا تحتاج إلى معونة»، وأن ما يفيض من أرباحها سيتم توجيهه إلى الألعاب الأوليمبية ورياضات الهواة، فى قرار استقبل بترحاب كبير من الرياضيين. وخصصت الدولة العام الماضى 2008 قيمة 396 مليون بيزو للإعلانات، ما يمثل نحو 65 فى المائة مما ستدفعه الآن لكرة القدم، وتحوم الشكوك حول قدرة عوائد بيع حقوق التلفزة والإعلانات على تعويض ما ستدفعه الحكومة لإدارة اللعبة، دون أن يتحول الأمر إلى معونة مقنعة، فى بلد تؤكد كنيسته الكاثوليكية أن 40 فى المائة من سكانه يعانون الفقر. وقال المسؤول الحكومى أنيبال فرنانديز الذى يعادل منصبه مدير مكتب الرئيسة الأرجنتينية: «هذه الاتفاقية حاسمة». وأضاف: «ستقام مباراتان الجمعة وأربع مباريات السبت وأربع مباريات الأحد. ريفر بليت وبوكا جونيورز سيلعبان دائما الأحد، وستقام مباريات القمة وفقا لأهمية الأندية، التى لن يمكنها اللعب بأقل من ثمانية من اللاعبين الأساسيين.. كل هذه تمثل عوامل جذب للمتابعة». وسمحت الشراكة بين الدولة وكرة القدم بانطلاق مرحلة ذهاب الدورى الأرجنتينى «أبرتورا» الجمعة الماضى، بعد أن كانت إقامة البطولة مهددة بسبب ديون الأندية للاعبين وللضرائب. ويعترف رافاييل سافينو، رئيس نادى سان لورنزو العريق، بأن «الكرة الأرجنتينية كلها كانت تنتظر هذا الأمر.. لو لم يحدث، لما أمكننا المضى قدما». ورغم ذلك أوضح فرنانديز أنه بات يتعين على الأندية من الآن فصاعدا تسوية أعمالها الإدارية أولا بأول بعد أن صارت تحت ناظرى الدولة، وقال: «من الآن فصاعدا سيكون على الأندية توضيح كل سنت، ومن يثبت حصوله على شىء لابد من ذهابه إلى السجن». على العكس من ذلك، انتقدت رئيسة لجنة حرية التعبير فى مجلس النواب، البرلمانية المعارضة سيلفانا جوديتشى الأمر وقالت: «لم تعد كرة القدم من الآن مجانية، بل سندفع قيمتها جميعا». أما النائب كارلوس رايموندى فحذر بالقول: «لو كانت شركات المراهنات خلف هذا الأمر، فإننا فى طريقنا إلى ما هو أسوأ». واعترف أنيبال فرنانديز بأن نظام المراهنات حول التوقعات الرياضية (برودى)، الذى يسعى خوليو جروندونا، رئيس الاتحاد الأرجنتينى إلى تطبيقه، تتم دراسته فى الوقت الحالى كمصدر دخل آخر لكرة القدم. واتخذت انتقادات أدولفو بيريز إسكيفيل، الحائز على جائزة نوبل منحى آخر، بعد أن وصف ب«الهمجية» و«العبث» مقارنة عقدتها رئيسة البلاد بين «خطف الأهداف» الذى كانت تقوم به شركة النقل التليفزيونى الخاصة التى تم فسخ التعاقد معها بحالات اختفاء المواطنين التى وقعت خلال حقبة الديكتاتورية العسكرية (1976-1983). وقال بيريز إسكيفيل فى تصريحات تليفزيونية إن «الربط بين المختفين وملعب لكرة القدم وأهداف تسجل، لا علاقة له بالأثر العميق الذى تمثله الديكتاتورية بالنسبة إلى الشعب الأرجنتينى». وأضاف: «ما قالته الرئيسة يبدو لى شيئا من عدم الفهم، إن ذلك يعنى عدم وجود مفهوم واضح لديها عما يعنيه اختفاء الناس». كما اعتبر أن «تخصيص 600 مليون بيزو فى الوقت الذى يموت فيه أناس من الجوع فى البلاد يعد إهانة للشعب ولأخلاقه ولقيمه».