«رمضان جانا وفرحنا به».. هذا مما لا شك فيه، لكن رمضان فى بلدنا له أعراض جانبية عديدة بجانب التخمة والتلبك المعوى وازدياد الوزن، أهمها ارتباطه بالدراما التليفزيونية. وقد اعتدنا أن يرتبط رمضان بالفوازير، ده أيام زمااااان يا ولاد عندما كانت نيللى هى البطلة الأولى لهذا النوع من الدراما اللطيف المسلى. واعتدنا كذلك أن يأتينا رمضان بمسلسلات يلتف حولها الجميع. كانت الدراما فى تلك الأزمان البعيدة مجرد حفنة تملأ اليد وكنا ننتظر بلهفة لنعرف ماذا حدث لأبطال مسلسلات أسامة أنور عكاشة وغيره من كتاب الدراما الكبار، لكن الدراما هذه الأيام تبدو سيلاً جارفاً لا يتأتى لشخص عاقل أو شخص مشغول أن يتابعها. الجديد جداً فى دراما رمضان هذا العام هو نوعية وكم الإعلانات التى تطاردك فى كل مكان من أول الإعلانات الكبيرة فى الشوارع وفوق الكبارى إلى صفحات الجرائد التى تحولت إلى جريدة «الوسيط» لكنها متخصصة فى الدراما التليفزيونية. تخنت الجرائد وكلبظت وثقل وزنها ليس بسبب أخبار وتحليلات (لا سمح الله) ولكن بسبب إعلانات الدراما والبرامج التى احتلت صفحات بأكلمها. وتنافست القنوات التليفزيونية فى استعراض ما لديها من درر وجواهر وكلها «حصريا» (أحمدك يا رب). المهم بهذه المناسبة فقد قررت أن أقترح عليكم استخدام هذا السيل الدرامى لصالحنا. أيوه لصالحنا نحن الشعب الغلبان الملقى أمام التليفزيون فى مهب الرياح الدرامية العنيفة. أولا سنتفرج على ما نستطيع من المعروض علينا وبالتالى سنلتصق بشاشة التليفزيون فى البيت (أو على القهوة) وهذا من شأنه أن يوفر علينا فلوس المواصلات والبنزين. ومن الممكن أن نستخدم تلك الفلوس فى شراء المزيد من البسبوسة والقطايف. السبب الثانى والأهم للاستسلام للسيل الدرامى هو أنه سيعمل مثل حقنة المورفين المخدرة لجسد مريض. ألا تشتكون ليلا نهارا من الحكومة وسنينها! إذن هذه فرصة رائعة للنسيان والدخول إرادياً فى غيبوبة لطيفة هادئة. لو أننا رفعنا الراية البيضاء وأعلنّا الاستسلام فسوف ننسى (حتى لو مؤقتاً) الخضروات والفاكهة المروية بالصرف الصحى، ولن تتمكن حتى أنوفنا من التقاط الرائحة المريبة للطعام ولا للماء المتدفق بنكهة المجارى، ذلك لأننا حريصون على متابعة الحلقة القادمة من المسلسل الفلانى أو الحديث القادم للداعية العلانى أو المشادة حامية الوطيس بين المقدم فلان والوزير علان. سننسى الجندى المصرى الذى أطلق عليه الإسرائيليون الرصاص على حدودنا وننسى رفض لجنة الأحزاب لحزب الوسط، ما لوش لازمة الحقيقة لأن الحزب الوطنى مكفينا ومش محتاجين أحزاب دلوقت! وسننسى خبراء العدل المعتصمين وزملاءهم العاملين بالنقل العام الذين بدأوا الاعتصام الأسبوع الماضى (لكن هؤلاء ربنا كرمهم، عقبالنا كلنا). سننسى حكاية الصيادين المصريين (على وزن حكاية سندريلا كده) والذين حرروا أنفسهم ولا الحوجة للحكومة. من المؤكد أننا سننسى أن نحاكم الخارجية المصرية لنقيم دورها أو غياب دورها فى تلك الحكاية. أنا لم أعرف أبداً عن مجتمع يعيش تلك الهيصة الدرامية فى شهر واحد مثلما نفعل. ولا أفهم الهدف من كل هذه الأموال المكرسة للإنتاج التليفزيونى وإعلانات الإنتاج التلفزيونى إلا لو كانت تعود على المنتجين بأموال أخرى من جيوبنا. ولا أجرؤ على التساؤل إن كان من الممكن توجيه كل تلك الأموال إلى إنتاج حقيقى بدلاً من كوننا مجتمع مستهلك ليس أكثر. كل رمضان وأنتم صامدون.