التعليم تطالب المديريات بضرورة الصيانة الشاملة للمدارس، ودخول 100 ألف فصل للخدمة على مستوى الجمهورية    قصة المدارس الدولية وخطورتها على الأمن القومى    دفعة كبيرة للصناعة    جو بايدن: نعمل على السماح للسكان في شمال إسرائيل وجنوب لبنان بالعودة إلى منازلهم    انطلاق مباراة الزمالك والشرطة الكيني بالكونفدرالية    وسط تعليمات مشددة، انطلاق الدراسة في المعاهد الأزهرية غدا    الجناح المصري في معرض Leisure السياحي بموسكو يحصل على جائزة «الأفضل»    نتنياهو يؤجل زيارته للولايات المتحدة بسبب الأوضاع في الشرق الأوسط    إعلام فلسطيني: 13 شهيدا فى غارة إسرائيلية على منزلين برفح الفلسطينية    قصائد دينية.. احتفالات «ثقافة الأقصر» بالمولد النبوي    خالد عبد الغفار: 100 يوم صحة قدمت 80 مليون خدمة مجانية خلال 50 يوما    تفاصيل التحقيق مع صلاح الدين التيجاني حول اتهامه بالتحرش    أحدث ظهور لبيومي فؤاد.. طرح الإعلان الرسمي لفيلم "بنسيون دلال" استعدادًا لعرضه مطلع أكتوبر    طرح الإعلان التشويقي لفيلم "دراكو رع" تمهيدا لعرضه تجاريا    آية الكرسي: درع الحماية اليومي وفضل قراءتها في الصباح والمساء    الجيزة تحتفل بعيدها القومي    على رأسهم صلاح.. أفضل 11 لاعبا للجولة الخامسة من فانتازي الدوري الإنجليزي    "اعتذار عن اجتماع وغضب هؤلاء".. القصة الكاملة لانقسام مجلس الإسماعيلي بسبب طولان    واقف قلقان.. نجل الشيخ التيجاني يساند والده أمام النيابة خلال التحقيق معه (صور)    مصر للطيران تكشف حقيقة وجود حالات اختناق بين الركاب على رحلة القاهرة - نيوجيرسي    دعاء يوم الجمعة: نافذة الأمل والإيمان    تشييع جثامين ثلاثة شهداء فلسطينيين ارتقوا خلال عدوان الاحتلال على قباطية بالضفة الغربية    ضوابط شطب المقاول ومهندس التصميم بسبب البناء المخالف    خلال ساعات.. قطع المياه عن مناطق بالجيزة    جمعية الخبراء: نؤيد وزير الاستثمار في إلغاء ضريبة الأرباح الرأسمالية في البورصة    نجم ليفربول يرغب في شراء نادي نانت الفرنسي    أرني سلوت يصدم نجم ليفربول    بالصور- 500 سائح يستعدون لمغامرة ليلية على قمة جبل موسى من دير سانت كاترين    فاينانشيال تايمز: الاتحاد الأوروبي يعتزم تمويل قرض بقيمة 35 مليار يورو لأوكرانيا    خبير يكشف تفاصيل جديدة في تفجير أجهزة الاتصالات اللاسلكية بلبنان    وزير الأوقاف يشهد احتفال "الأشراف" بالمولد النبوي.. والشريف يهديه درع النقابة    الإفتاء تُحذِّر من مشاهدة مقاطع قراءة القرآن المصحوبةً بالموسيقى أو الترويج لها    بعد الموجة الحارة.. موعد انخفاض الحرارة وتحسن الأحوال الجوية    طريقة عمل بيتزا صحية بمكونات بسيطة واقتصادية    "بداية".. قافلة طبية تفحص 526 مواطنًا بالمجان في الإسكندرية- صور    هذا ما يحدث للسكري والقلب والدماغ عند تناول القهوة    مفتي الجمهورية يشارك في أعمال المنتدى الإسلامي العالمي بموسكو    سهر الصايغ تشارك في مهرجان الإسكندرية بدورته ال 40 بفيلم "لعل الله يراني"    البورصة المصرية تربح 22 مليار جنيه خلال أسبوع    بتكلفة 7.5 مليون جنيه: افتتاح 3 مساجد بناصر وسمسطا وبني سويف بعد إحلالها وتجديدها    البيت الأبيض: الجهود الأمريكية مستمرة للتوصل لاتفاق وقف إطلاق النار    الزراعة: جمع وتدوير مليون طن قش أرز بالدقهلية    لجنة "كوبرا" بالحكومة البريطانية تبحث تطورات الوضع فى لبنان    خبير تربوي: مصر طورت عملية هيكلة المناهج لتخفيف المواد    أزهري يحسم حكم التوسل بالأنبياء والأولياء والصالحين وطلب المدد منهم    سوء معاملة والدته السبب.. طالب ينهي حياته شنقًا في بولاق الدكرور    رئيس جهاز العبور الجديدة يتفقد مشروعات المرافق والطرق والكهرباء بمنطقة ال2600 فدان بالمدينة    الأنبا رافائيل: الألحان القبطية مرتبطة بجوانب روحية كثيرة للكنيسة الأرثوذكسية    «الداخلية» تنفي قيام عدد من الأشخاص بحمل عصي لترويع المواطنين في قنا    مستشفى قنا العام تستضيف يوما علميا لجراحة المناظير المتقدمة    عبد الباسط حمودة ضيف منى الشاذلي في «معكم».. اليوم    تراجع طفيف في أسعار الحديد اليوم الجمعة 20-9-2024 بالأسواق    رابط خطوات مرحلة تقليل الاغتراب 2024..    استطلاع رأي: ترامب وهاريس متعادلان في الولايات المتأرجحة    معلق مباراة النصر والاتفاق في الدوري السعودي اليوم.. والقنوات الناقلة    حبس سائق ميكروباص تسبب في مصرع طالبة بعد دهسها في أبو النمرس    ليس كأس مصر فقط.. قرار محتمل من الأهلي بالاعتذار عن بطولة أخرى    مصطفى عسل يتأهل لنصف نهائي بطولة باريس المفتوحة للإسكواش 2024    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المستشار هشام البسطويسى يخرج عن صمته بعد عامين من إعارته للكويت (1-2): تركت مصر لشعورى بتقييد حركتى وكلمتى وتعرضت لمحاولة تلفيق قضية جنسية

مساحة المسموح به فى هذا الحوار أقل بكثير من محظوراته، والسبب يعود لصاحب الحوار نفسه المستشار هشام البسطويسى، الذى طلب عدم ذكر وقائع محددة أو أسماء بعينها، لأسباب متفرقة، منها ما يتصل بعدم الخوض فى الأسماء، فالمهم لديه هو الأفكار والأهداف والقرارات، ومنها ما يتعلق بعدم إحراج أحد أو استفزاز آخر خصوصا أنه معار حاليا خارج مصر منذ أكثر من عامين فى الكويت مستشارا بوزارة الشؤون الاجتماعية، لكن بشكل عام تظل آراء البسطويسى الذى يتولى أرفع منصب قضائى، وهو نائب رئيس محكمة النقض، مثيرة للجدل، ليس فقط بسبب الأفكار التى يطرحها فى آرائه، لكن بسبب الرجل نفسه الذى أصبح فى غضون سنوات قليلة من أبرز القضاة المطالبين باستقلال القضاء والمنادين بالإصلاح لدرجة ساهمت بترشيح البعض له رئيسا للجمهورية.
البسطويسى لم يكن القاضى الوحيد الذى فضل مغادرة مصر بل سبقه ولحقه كثيرون، المفاجأة اللافتة هنا، أنهم جميعا منتمون لما يسمى تيار «استقلال القضاء» ومنهم المستشارون ناجى دربالة ومحمود مكى وأحمد صابر وعاصم عبد الجبار ويحيى جلال، ومن مجلس الدولة المستشارون سمير البهى وناصر معلا ومجدى الجارحى.. «المصرى اليوم» التقت المستشار البارز أثناء زيارته الأخيرة لمصر فى حوار مفتوح لا تنقصه السخونة، وبالتأكيد لا تنقصه الجرأة، وإلى الحلقة الأولى من الحوار.
■ أثار قبولك الإعارة للكويت ومغادرتك مصر جدلا كبيرا.. لماذا؟
- فى الحقيقة أنا مندهش من هذا، لأنى عندما قررت السفر للخارج كانت لدى دوافعى التى أراها منطقية، فوجودى أصبح مقلقا داخل بلدى، كنت أشعر بأنه يتم التضييق على، وأننى أصبحت مقيدا فيها، سواء فى كلمتى أو فى حركتى، وليس سراً أننى منعت من السفر إلى خارج مصر أكثر من مرة، رغم أن سفرى كان لحضور مؤتمرات دولية، وبعضها بدعوة من منظمات دولية، وبشكل عام فأكثر ما كان يؤلمنى ويصيبنى بالإحباط هو أن تشعر بأنك مقيد ببلدك وفى كلامك وحركتك وتنقلاتك، خصوصا إذا كنت قاضيا أو صحفيا مشغولا بقول الحق والدفاع عنه.
■ كم مرة مُنعت فيها من السفر؟
- خلال أقل من عام تم منعى ثلاث مرات، المرة الأولى، كانت للمشاركة فى محكمة دولية لمحاكمة مجرمى الحرب الإسرائيليين فى بروكسل، وهى محكمة شعبية دولية، والمحزن أن مصر التى كانت تقود حركة النضال ضد إسرائيل، هى مصر نفسها التى أصبحت تمنع قاضيا من السفر للمشاركة فى محكمة لإدانة الإجرام الإسرائيلى ضد الأبرياء من شعبنا الفلسطينى، أما المرة الثانية، فكانت للمشاركة بمؤتمر فى الاتحاد الأوروبى للحديث عن استقلال القضاء، والمرة الثالثة.. فكانت للسفر إلى جنيف للحديث فى مؤتمر دولى لمنظمة ICG عن استقلال القضاء وضمانات ومعوقات القضاء فى الدول العربية.
■ بأى آلية يمكن منع قاض من السفر؟
- عن طريق ما يسمى «الورقة الصفراء» أى إذن السفر من الجهات المسؤولة، وللعلم فقد حصلت على حكم قضائى لصالحى بإلغاء ذلك الأمر، وبدون الحصول عليها لا يسمح لك بمغادرة أرض المطار.
■ ألا تتفق معى فى أن العرض المادى لإعارتك كان مغريا أيضا؟
- نعم العرض المادى كان مغريا، ولا عيب فى هذا، خصوصا إذا كان الهدف هو محاولة تحسين ظروفك المادية بعمل شريف، ورغم أنه لم يكن هذا هو السبب الرئيسى لقبولى الإعارة، بل هناك أسباب أخرى، مثل الشعور بأن الدولة لديها الرغبة القوية للتدخل فى القضاء، ومشروعات القوانين المتتالية التى تنال من استقلال القضاء مثل أكاديمية القضاء، وتوسيع عضوية مجلس القضاء الأعلى، فضلا عما قمت به سابقا بإلغاء الإشراف القضائى على الانتخابات العامة، والتعديلات الدستورية الأخيرة، وما جرى فيها.
■ كم هو الفارق المادى بين راتبك فى مصر وراتبك بالكويت؟
- الفارق المادى كبير جدا، ولا يتناسب مطلقا مع ما كنت أتقاضاه هنا، رغم أننى أشغل أعلى منصب فى درجات السلم القضائى، وهو منصب نائب رئيس محكمة النقض.
■ بصراحة كم كنت تتقاضى فى مصر وأنت تشغل أرفع منصب قضائى؟
- كنت أتقاضى ما لا يزيد على 6 آلاف جنيه، وكان يضيع أكثر من نصفها لتسديد القروض، والباقى لمصاريف الحياة الضرورية، ورغم منصبى الرفيع، فكنت أجد صعوبة شديدة لتوفير مستوى تعليم جيد لأولادى الثلاثة لكن الحمد لله جميعهم كانوا متفوقين، ولم يحصلوا على دروس خصوصية طوال مشوارهم التعليمى «وإلا بقت مصيبة» كما لم أقدر على تكاليف زواجهم أو حتى توفير مستوى لائق لهم، كما أننى لا أملك سيارة خاصة لى أو لأسرتى، وبالتالى فإذا جاءت الفرصة لك لتحقيق عائد مادى مناسب، لتعيش حياة كريمة، تتناسب مع وضعك ومستواك بالمجتمع، وكان يجب أن يكون توفير تلك الحياة داخل بلدك، فلا أعتقد أن أحدا يستطيع أن يعارض ذلك فى ظل هذه الظروف، أما إحساسك أن تكون حياتك «مضغوطة» و«ضيقة» وأنت فى بلدك وأنت تعتلى أرفع المناصب فيها والتى تفرض عليك التزامات معينة ومستوى معينا، لكنك تعانى فهذا مهين وقاس.
■ وهل انتهى ما يمكن أن نسميه ب «التضييق عليك» بعد الإعارة؟
- بالطبع، اختلف الوضع كثيرا عن الأول، ولكن توجد بعض المنغصات، فمثلا كنت أقضى إجازة قصيرة فى شرم الشيخ مع أسرتى، وأثناء مغادرتى لمطار شرم فى طريقى للكويت، فوجئت بضباط المطار يستقبلوننى ويعاملوننى بشكل جيد للغاية، لدرجة أثارت اندهاشى فى البداية،
خصوصا أنهم دعونى لاحتساء القهوة فى المكتب الملحق، حتى الانتهاء من الإجراءات، وخضنا فى أحاديث متنوعة، بعدها طلبت منهم الاستئذان فى الانصراف للحاق بطائرتى، وقبل أن أغادر، فوجئت بضابط يطلب منى إبراز الإذن بالسفر، فقلت له أنا قاض معار بالخارج، ولا يوجد إذن سفر، فرد «يا فندم دى تعليمات ومش مسموح لك بالسفر»، فقلت له «لن يمنعنى أحد واتصل بوزير الداخلية اللواء حبيب العادلى على تليفونك دلوقتى»، وعندما ارتبك الضابط، هددت بفضح تلك الممارسات للصحف ووسائل الإعلام المحلية والعالمية إذا لم يجعلونى أغادر، بعدها رن هاتف الضابط، وسمعته يقول «تمام يا فندم، ثم أعطانى هاتفه، فكان على الطرف الآخر من الخط، من يعتذر لى بشدة، مؤكدا أن الضابط ليس لديه خبرة، وكرر أسفه، وانتهى الموضوع».
■ لكن سيادة المستشار بشكل دقيق.. كلامك عن التضييق والمنع برأيى كلام نظرى يمكن ألا يخرج عن مشاعرك وأحاسيسك به؟
- ليس صحيحا لأن لدى وقائع عديدة، وسأروى لك واقعة ثابتة، فكنت منتدبا بمركز الدراسات القضائية التابع لوزارة العدل، للتدريس لشباب النيابة والقضاة، وكنت أتقاضى حوالى1500جنيه شهريا، بخلاف راتبى، لكن نظرا لمواقفى المطالبة باستقلال القضاء، ونزاهة الانتخابات، فقد أبلغونى فى المركز بتأجيل محاضراتى، على وعد منهم بأن يتصلوا بى مرة أخرى، وكان ذلك فى شهر مايو2005، ولم يتصل بى أحد إلى اليوم، وهذا متوقع بالنسبة لى.
■ وماذا كان السبب برأيك؟
- كنت قد تحدثت فى أحد البرامج التليفزيونية عن استقلال القضاء وأهميته بالنسبة للمواطن والنظام، وقلت أن استقلال القضاء لم يعد مطلبا ملحا للمواطن، بل أصبح قضية أمن قومى، لأن ما جرى فى العراق، من غزو واحتلال لن يتكرر مرة أخرى بسبب التكلفة الباهظة للحرب، لكن هناك سيناريو آخر، أقل تكلفة، وهو جلب حكام عرب واقتيادهم للمحاكمات الجنائية أمام المحاكم الدولية، وهو ما حدث بالفعل فيما بعد فى لبنان - سوريا، والسودان، فالمحاكمة الدولية أرخص ثمنا من الحرب والغزو، وقلت إن استقلال القضاء هو الحل، كما رددت هذا الكلام أكثر من مرة، بعدها مباشرة تم إبلاغى بتأجيل محاضراتى بالمركز، وعلى فكرة علمت فيما بعد أنه تم إيقاف البرنامج تماما عن العرض.
■ هناك كثيرون غيرك يؤمنون بما تؤمن به من مواقف ولم يتعرضوا لمثل هذا ولم يغادروا البلد أيضا؟
- هناك أمور لا أحب الخوض فيها حدثت معى، وسأتركها للوقت.
■ لكن الرأى العام يريد الاطلاع عليها باعتبار أنك أحد الرموز القضائية؟
- صمت قليلا طالبا عدم الخوض أكثر من ذلك، لكن وأمام إصرارى روى قصة أخرى قائلا «حدث أثناء اعتصام القضاة الشهير بالنادى تضامنا مع إحالتى والمستشار محمود مكى للمحاكمة بسبب فضحنا التزوير والتلاعب فى نتيجة الانتخابات البرلمانية، أن حاولوا تلفيق قضية دعارة لى من أجل تصويرى والضغط على عن طريق فضحى، وبدأت القصة باتصال هاتفى من سيدة معروفة حاليا، وكنت موجودا مع زملائنا فى نادى القضاة، وطلبت مقابلتى لأمر مهم، فرفضت تماما مقابلتها فى أى مكان بخلاف صالون النادى أو بمنزلى أمام زوجتى وأولادى، لكنها فضلت مقابلتى فى النادى، وبالفعل قابلتها، وعندما دخلت للنادى، ورأت بعينيها الاعتصام والجو داخل النادى بكل ما فيه من زخم وحياة وإصرار وقوة، حتى إن بعض الكتاب والصحفيين أطلقوا على النادى، اسم «بيت الأمة» فى ذلك الوقت،
المهم هذه السيدة أجهشت بالبكاء، وعندما اندهشت أفضت لى بأنها مكلفة باستدراجى إلى خارج أبواب وأسوار النادى، على أن يقوم بعض الأشخاص العاملين بجهات أمنية، بخطفى عن طريق تخديرى بحسب ما قالت لى السيدة، وعندما سألتها عما سيحدث بعد ذلك، قالت إنهم كانوا سيصوروننى عاريا فى أوضاع مخلة معها دون أن تظهر هى فى الصور أو الفيديو على ما أذكر لأنى سألتها هل قبلت أن تفضح نفسها فى الصور، وعندما سألتها لماذا صارحتنى بهذا المخطط، قالت إنها لا تعرف السبب وراء ذلك، لكن ما رأته فى النادى أثر فيها، بحسب ما قالته لى، واتفقت معها على أن أخرج معها إلى السلالم الخارجية للنادى، ثم أفتعل معها مشاجرة حتى لا تتهم بأنها فشلت فى مهمتها أو يشكوا فيها.
■ وهل وصل التضييق عليك إلى بيتك؟ وكيف؟
- نعم.. وسأروى لك موقفا آخر تأكدت من خلاله بأننى مراقب داخل بيتى، لأنهم وضعوا لى جهاز تنصت متناهى الصغر داخل صالون منزلى، وهو المكان الذى ألتقى فيه بأصدقائى وضيوفى من القضاة أو الصحفيين أو كاميرات التليفزيونات المحلية والعالمية، وفوجئت بمن ينقل لى نص حديث كامل لى مع أحد أصدقائى من الدبلوماسيين، فقمت على الفور بتفتيش الحجرة ووجدت الجهاز فى أحد أركان الصالون، ثم تخلصت منه، ورغم أننى لا أخاف من أحد ولا أخفى شيئا، كما أننى معروف بأن «قلبى ميت» كما يصفنى المقربون منى، لكن ما أزعجنى بالفعل هو أننى أصبحت قلقا للغاية مما يحدث، وأنا مقيد الحرية فى الكلام مع زوجتى وداخل بيتى، كما أن الممارسات والمضايقات وصلت إلى حد أنهم كانوا يتصلون بنا على تليفون المنزل من أرقام غريبة ومن المحافظات، وكانوا يسبوننا بأفظع الشتائم، كما كنا نتسلم رسائل تحوى ألفاظا وعبارات قذرة.
■ بصراحة شباب القضاة غاضبون منكم ويصفونكم بأنكم «بعتم القضية».. ما رأيك؟
- أعتقد أن غضبهم ليس فى محله، وأحب أن أوضح لهم أمرا وهو أننى تكبدت معاناة الظروف المعيشية من أجل مواقفى ومبادئى التى أؤمن بها، فقد رفضت تنفيذ قرار بندبى إلى محكمة القيم بمقابل مادى جيد، بجانب عملى بالنقض، لتعارض ذلك مع مبادئى، فمن ناحية محكمة القيم تعتبر من القضاء الاستثنائى، ومن ناحية فأنا ضد سياسة الترغيب والترهيب التى تمارسها الدولة مع القضاة فى الإغداق عليهم أو التقتير عليهم، وأخيرا كان التفكير كيف أحافظ على مبادئى وأفكارى، وأؤمن لأسرتى مستوى لائقا، فكانت فكرة السفر حاضرة، لكن لى عتاب على شباب القضاة والنيابة العامة، وهو أنهم لو كانوا أحسنوا تنظيم أنفسهم وركزوا جهدهم، ما كانت وصلت الأمور إلى ما هى عليه الآن.
■ بمعنى؟
- بمعنى أن نتيجة انتخابات نادى قضاة مصر، ما كانت لتخرج بهذه الصورة.
■ بمناسبة انتخابات النادى، ما تحليلك لما أسفرت عنه من نتيجة؟
- أعتقد أن ما حدث مرتبط بعدة أشياء، متعلقة بطبيعة الناس فى مصر ومنهم القضاة، حيث السلبية وعدم المشاركة وعدم الفاعلية، فالعدد الأكبر لم يشارك فى تلك الانتخابات، وهذا خطأ جوهرى، كما أن هناك نقطة مهمة لا يمكن إغفالها فيما حدث بالنادي، وهى دخول الدولة بكل ثقلها لإسقاط مرشحى تيار استقلال القضاء، ولأكون منصفا فهناك أيضا أخطاء ارتكبها تيار الاستقلال ساهمت فى سقوطه، وليس انتهائه من النادى أو القضاء عليه، فالبقاء للأفكار وليس الأشخاص الذين قد يرتكبون أخطاءً،
كما أن الانتخابات عمل تطوعى ومجموعتنا تعمل فى المحاكم وليس من بينها من هو منتدب لأعمال أخرى، لذلك يقضى القاضى الذى يعمل بالمحكمة أكثر من 10 ساعات يوميا على الأقل لبحث ودراسة قضاياه، أما باقى الوقت، فمقسم بين النادى وانتخاباته، والجزء الأخير لحياته الشخصية والاجتماعية، أما الجبهة المنافسة فبنظرة واحدة، ستجد معظمهم منتدبون لأعمال ليس لها علاقة بالقضاء، بل لا أخفيك سرا إذا قلت إنه لا تتم محاسبتهم أحيانا على عدم أدائهم عملهم بالمحاكم، كما قد يحدث معنا، لكننا والحمد لله «متفوقون فى شغلنا وليس علينا غلطة واحدة فى شغلنا»، لأنه واجبنا ودورنا الأساسى.
■ لكن القضاة هم نخبة المجتمع ويوصفون دائما بأنهم «صفوته»؟
- نعم.. لكن ما أصاب المجتمع أصاب القضاة، والدولة تجيد استخدام سياسة الترغيب والترهيب مع القضاة منذ عشرات السنين، وهى السياسة المعروفة ب«العصا والجزرة»، وكان دورنا هو تعليم وتوعية شباب القضاة كما تعلمنا نحن من شيوخنا وأساتذتنا.
■ ألا تتفق معى أن سفر عدد كبير من القضاة المنتمين لتيار الاستقلال أثر على الدور التى كنتم تلعبونه فى الحياة والمجتمع القضائى؟
- لعلمك، دورنا هو تمثيل القضاة، وليس الإنابة عنهم، فيمكن أن يوجد من يمثلهم، لكن من غير الممكن أن يوجد بينهم من ينوب عنهم، أو يدعى أنه نائب عن القضاة، وفى الحقيقة تلك هى المشكلة الموجودة بكل مكان فى البلد، فالناس تريد من يقوم بكل شىء نيابة عنهم، رغم أن عصر الزعامة انتهى للأبد، وعهد النائب الأوحد عن الجماهير انتهى أيضا للأبد، وهذا الوضع برأيى يؤدى إلى السلبية، وما يجب أن تقوم به الجماعات هو حسن اختيار من يمثلها للدفاع عن مصالحها.
■ كثيرون يرون أن ما حدث هو هجرة جماعية «للقضاة المستقلين» ليس فى القضاء العادى فقط بل ومجلس الدولة أيضا؟
- لا أعتقد ذلك، فلا يوجد ما يسمى هجرة القضاة، وما حدث موقف طبيعى، وإذا شعرنا أن البلد تحتاجنا بالفعل، سنعود فورا بدون النظر إلى أى إغراءات أو مزايا لأن كل مصرى يشعر بالغربة خارج بلده، ويريد العودة إلى وطنه، فالمصرى كما قال الدكتور جمال حمدان، بطبيعته غير مهاجر ومرتبط بأرضه، وعذابه الوحيد تقريبا أنه خارج بلده، ولا أكون مبالغا إذا قلت إن الجميع يرغبون فى العودة لكن الظروف الراهنة ضاغطة.
■ لكن الواقع يقول إنكم خارج البلاد حاليا ؟
- خلال الفترات الماضية لم ندخر جهدا أو وقتا لقول كلمة الحق بأعلى صوت ووضوح وصراحة، وتعرضنا لأزمات شديدة، وكنا مستعدين للتحمل أكثر من ذلك، لكن الأبواب أغلقت فى وجوهنا، وأصبحنا لا نستطيع حتى قول كلمة الحق، كما أن الإصلاح الذى كنا ننشده «تاه» فى الطريق.
■ وهل تعتقد أنك ستساهم بفاعلية أكثر من وجودك داخل البلد؟
- من يدرى.. ربما أكون مساهما وأنا فى الخارج بشكل أكثر فاعلية، وأعترف بأننى فى البداية، وقعت فى محنة نفسية رهيبة بين وجودى بالخارج والتى لا أحس فيها بنفس مشاعر الصدق والمعاناة التى يعانيها الناس يوميا، وبقائى داخل مصر وما أعانيه فيها من تقييد لحريتى، خصوصا أننى حاليا أشعر أننى أكثر حرية للمشاركة فى مؤتمرات دولية والتعبير عن مبادئى وأفكارى فى استقلال القضاء ونزاهة الانتخابات.
■ ودور الحكومة هنا غريب؟
- إذا كنت تقصد أنها سهلت لنا السفر للخارج.. فلا أخفيك سرا إذا قلت أن الدولة قدمت لنا جميع التسهيلات من أجل السفر للخارج، ولا أستطيع أن أقول أكثر من ذلك حتى لا أحرج أحداً.
■ آلا يمكن أن يكون سفركم سببه اليأس من إصلاح الأوضاع وتوقف قطار الإصلاح؟
- ربما.. لكننا عندما اتخذنا مواقفنا ضد ما يحدث فى القضاء من تخريب وإفساد، كما وقفنا ضد ما حدث فى الانتخابات البرلمانية من ممارسات، ولعلك تذكر أننى شخصيا تعرضت لأزمة قلبية شديدة، فارقت فيها الحياة لمدة 5 دقائق بحسب الأطباء فى المستشفى، وهو ما اعتبروه معجزة، كان الطبيعى أو البديل هو أن تتحرك الناس للمطالبة بحقوقها فى الحرية والديمقراطية، لأنه لا أحد سيعطى للشعب حقوقه المشروعة بدون أن يتحرك هذا الشعب بنفسه، ولن يحصل على حقوقه بدون ضريبة يدفعها من جهده وعرقه وقد تقتضى الظروف من دمه أيضا.
■ ومتى ستقرر العودة؟
- إذا شعرت أن الناس تحتاجنى فى مصر، وإذا كان وجودى ودورى مهما لإحداث أى تغيير، سأعود فورا، لكن بدون تحرك جماعى ووعى عام بين الناس، فالأمور ستتدهور وستزداد سوءا، والتحرك من وجهة نظرى يجب أن يكون تحركا بالملايين من العمال والفلاحين ومن جميع الفئات الأخرى، لرفع الصوت للمطالبة بالحقوق والحريات والديمقراطية، وعدم السكوت على بقاء الأوضاع دون تغيير، فالجماهير هى التى يجب أن تعطل تماما منظومة الفساد المستشرى بشكل كبير فى كل مكان بالبلد، بسبب جمود الأوضاع الحالية، وعدم التغيير وغياب الإصلاح، وليس القضاة أو أى فئة أخرى بمفردها، ورجال القضاء ليسوا قادة مظاهرات أو احتجاجات أو زعماء حركات سياسية حتى يتسنى لهم التغيير، بل دورهم الرئيسى والحقيقى يتمثل فى إقرار العدالة وإعادة الحقوق والدفاع عن الحريات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.