نشرت الطبعة الأولى من أهرام الأربعاء الماضى، 5 أغسطس الجارى، خبراً عن تخصيص 100 ألف فدان فى شرق العوينات وتوشكى لشركة إماراتية لزراعتها بالبرسيم الحجازى المخصص للتصدير. وفى الطبعة الثانية من أهرام اليوم ذاته، اختفى الخبر من الصفحة الأولى، وتم التدخل فى التقرير المنشور فى الصفحة التاسعة من «الأهرام» عن الموضوع ذاته، بحذف البرسيم الحجازى المخصص للتصدير من العنوان ومن مقدمة التقرير، والاكتفاء بالإشارة إليه فى نهاية التقرير منسوباً إلى محمد العتيبى، رئيس الشركة الإماراتية، العالمية المتخصصة فى زراعة محاصيل العلف وصناعتها لتغذية الآلاف من رؤوس الماشية فى الإمارات وغيرها من دول الخليج. كان الخبر فى الطبعة الأولى من «الأهرام» صادماً وشديد القسوة، لأنه تزامن مع الحملة التى فجّرها الزميل على زلط وعلى صفحات «المصرى اليوم» عن رى آلاف الأفدنة المزروعة بالفاكهة والخضروات بالمجارى الخام غير المعالجة، وأحياناً بمياه المجارى التى تم فصل الحمأة الصلبة منها، وكلاهما يراكم العناصر السامة الثقيلة فى أنسجة النباتات ولحوم الحيوانات والطيور التى تتغذى عليها، ويعلم الجميع أن تناول المواطنين هذه الأغذية المروية بالمجارى يؤدى إلى تدمير الصحة ويحكم على ملايين المصريين بالموت البطىء والمهين. والمثير فى الخبر الذى نشرته «الأهرام»، أن المصادر التى صرحت به تعمدت استغفال الجميع بإصرارها على أن تخصيص 100 ألف فدان لزراعة البرسيم الحجازى المخصص للتصدير يأتى تنفيذاً لبرنامج الرئيس مبارك الانتخابى، وكأن هذا البرنامج يهدف إلى رى غذاء المواطن المصرى بمياه المجارى، وتخصيص أنقى وأعذب المياه لرى أعلاف المواشى الخليجية. المدهش أيضاً فى توقيت الإعلان عن هذا التخصيص، أنه تزامن مع محاولات تسوية النزاع بين مصر وإثيوبيا حول الحقوق التاريخية الثابتة لمصر فى مياه النيل، ومع الإعلان صراحة عن أن مصر دخلت نفق الفقر المائى، ومع تطبيق قرار خفض المساحة المزروعة بالأرز من 2.1 مليون فدان، إلى 1.1 مليون فدان، وفرض رسم تصدير على الأرز، وإلزام المصدرين بتوريد كميات مماثلة من الأرز لهيئة السلع التموينية قبل السماح لهم بتصدير الأرز إلى الخارج، وكل هذه الإجراءات تهدف أساساً إلى الحد من زراعة الأرز التى تستهلك كميات هائلة من الإيراد المائى السنوى. ويعرف الذين وافقوا على إهدار مياه مصر الشحيحة لتغذية مواشى الخليج، أن «الحساب الزراعى» فى العالم كله تغير منذ ربع قرن تقريباً من احتساب حجم الإنتاج من وحدة المساحة، إلى احتساب حجم الإنتاج من وحدة المياه العذبة، وتحول عنصر المياه إلى أهم وأخطر العناصر الحاكمة فى قضية الأمن الغذائى العالمى. لهذا أتساءل: ما هى المصلحة فى تخصيص أنقى وأعذب المياه المصرية لرى برسيم المواشى الخليجية؟ ولماذا لجأت الحكومة إلى الحل السهل بإصدار قرار عاصف بإزالة زراعات المجارى بالقوة الجبرية، بدلاً من توفير المياه النظيفة لرى أراضى ملايين المصريين الفقراء؟ وهل يعرف هؤلاء المسؤولون أن استخدام مياه المجارى فى رى المحاصيل لا يقتصر فقط على قرى الجيزة وحلوان والقليوبية، ولكنه يحدث فى كل محافظات مصر تقريباً بسبب النقص الحاد فى مياه الرى؟ إن هذا القرار الذى يختبئ خلف برنامج الرئيس الانتخابى، هو أعمق استهانة بالشعب المصرى كله، وهو الدليل الأكثر فجاجة على وجود مخطط مدروس للاستيلاء على أهم الموارد الطبيعية لحساب المستثمرين الأجانب وشركائهم المحليين. [email protected]