لو حاولت أن تفهم ماذا يحدث للمصريين فأنت بالتأكيد إما متفائل أو عبيط أو من كوكب آخر.. ولو حاولت أن تستخدم كل نظريات العلوم السياسية والاقتصادية والاجتماعية.. لتحليل سلوك الحكومة تجاه الشعب.. فلن تستطيع مهما كنت ضليعا فى كل هذه العلوم أن تفهم لماذا تعامل الحكومة شعبها على أنه ابن جوزها وهى مرات أبوه المفترية.. والآن وبعد ثلاثين عاما من التعامل مع هذه الحكومة ومع غيرها من الحكومات المماثلة تأكد لى أن هذه الحكومة حكومة شعب تانى.. شعب آخر غيرنا.. وشعبنا المسكين أوقعه حظه المنيل بستين نيلة فى هذه الحكومة التى جاءت هنا لتحكمنا عن طريق خطأ متعمد من مكتب تنسيق حكومات الشعوب المغلوب على أمرها.. فهذا الفساد الذى غرقنا فى مستنقعاته الكريهة.. ويحاصرنا فى كل مكان.. لا يمكن أن يكون نبتا شيطانيا ليس له صاحب أو راع رسمى.. ولا يمكن أن يكون هذا الفساد يلبس طاقية الإخفاء طوال فترة إقامته بيننا.. ولا أحد يستطيع أن يمسك به أو يعكشه متلبسا.. ولا يمكن أن تكون هذه الحكومة وغيرها من الحكومات التى تعاقبت علينا ليست سعيدة بما كسبت يدها من استغلال الشعب المصرى أسوأ استغلال.. فكل حكومة تقول لسابقتها انزلى شوية من على أكتاف الشعب المصرى وادينى لفة أستغله فيها شوية واطلع عين اللى جابوا أهله شويتين.. وأعملى قرشين حلوين من وراه أعيش بيهم ملك بعد ما أسيب الحكومة وأنزل من على كتاف الشعب الأهبل اللى مسلم نفسه لينا فحت وردم بدون ما يقول بم. فهذا الشارع المصرى المتروك للصدفة البحتة تسيره على حسب الريح ما يودى.. الريح ما يودى.. لا يمكن أن يكون هناك وزير واحد من هذه الحكومة قد سار فيه ولو مرة واحدة فى حياته.. ولو حدث هذا لسارع هذا المسؤول إلى الانتحار.. أو الاستقالة.. أو حل مشكلة هذه الأزمة المرورية البليدة.. التى ليس لها معنى سوى أن الحكومة تفتعلها لقياس قوة تحمل المواطن.. أو لدراسة سلوك الفرد عندما يوضع تحت ضغط نفسى قاسٍ .. أو لأن الحكومة لديها تعليمات مشددة من ليبرمان وزير خارجية إسرائيل اليمينى المتطرف الذى يكرهنا لله فى الله بتعذيب الشعب المصرى ليلا ونهارا وبلا رحمة.. وقال لهم اعملوها أنتم.. وأبقوا قابلونى لو حد نطق.. صدقونى إنها حكومة شعب تانى وجاءت المنطقة هنا عن طريق الخطأ. والمشكلة ليست فى المرور.. ولا فى زراعة المحاصيل الغذائية بماء المجارى الخام.. ولا فى أرض سينا الذى أهداها عاطف عبيد للخواجة سياج وحسب له المتر بجنيه ونص على عشر سنين يعنى أرخص من متر الكستور والبفتة البيضة اللى فى وكالة البلح.. ولا فى الغاز اللى بنصدره لإسرائيل بملاليم.. ولا فى الآثار اللى بتتنهب ليل ونهار وعلى عينك ياتاجر تباع فى أسواق أوروبا ودول الخليج.. ولا فى المليارات اللى رميناها فى بلاعة توشكا وماجابتش همها بس اتسرق نصها.. ولا فى عمر أفندى اللى اشتراه جميل القنبيط صاحب أنوال السعودية بتمن شقة على النيل وشغال الله ينور بيبيع فروعه الأثرية دى الوقت بالملايين ولا حد قادر يكلمه.. والرجل الوحيد فيكى ياصفقة مشبوهة اللى قال: (لأ).. بهدلوا أهل اللى جابوا أهله وطلعوه أفشى أسرار القنبلة الذرية.. ولا فى أموال التأمينات والمعاشات اللى أخدتها الدولة وصرفتها على المظاهر الكدابة وبدلات السفر ذات الأرقام الفلكية التى تغدقها الحكومة على محاسيبها وصبيانها من صحفيى الحكومة والمرتزقة من جميع الجهات.. ولا فى الملايين التى نهبها رؤساء تحرير ومجالس إدارات المؤسسات الصحفية السابقين.. ومازالت الملايين المهدرة تهدر من جديد.. ولا فى تشويه جمال مصر وعماراتها وتراثها المعمارى العريق.. بالهدم وبناء المولات القبيحة المنظر والعشوائيات المعمارية القميئة.. ولا فى العبارات الغارقة ولا القطارات المحروقة ولا الجبال المنهارة على دماغ العباد.. وغيره.. وغيره وما خفى كان أعظم. المهم أن كل هذا الفساد والخراب ليس هو المشكلة.. ولكن المشكلة الحقيقية أنه لا أحد يحاسب أحدا.. فى سابقة وظاهرة لا تحدث إلا فى مصر المحروسة.. فلا يوجد بلد فى العالم يحدث فيه ما يحدث لدينا ويمر هكذا بدون محاكمة للمتسبب.. فكل كارثة من هذه الكوارث مسؤول عنها وزير أو مدير أو خفير المهم أنها جرائم حقيقية ترتكب فى حق الشعب المصرى.. وطالما هناك جريمة فلابد من جانٍ ومجنى عليه.. ونحن هنا فى مصر بنمسك المجنى عليه بس ونطفحه الكوتة.. لكن عمرنا ما مسكنا الجانى.. ولذلك فنحن نريد حكومة مصرية.. وليست حكومة شعب تانى!!