خبر يوم الاثنين فى «المصرى اليوم»، عن تأكيدات وزير الرى الإثيوبى، اصفاو دينجامو، بغياب أى نية إثيوبية فى مشاريع تؤثر على تدفق النيل الأزرق (وله فضل الفيضان السنوى لأن مشاريع تعميق مجرى النيل الأبيض فى منطقة المستنقعات معطلة لعقود بسبب الحرب الأهلية فى السودان)، ذكرنى بخبر انفردت بنشره فى ديسمبر 1989 فى الإندبندنت البريطانية، عن تواجد مهندسين إسرائيليين فى إثيوبيا لدراسة بناء سدود لتقليل سرعة مياه النيل ضمن مشاريع زراعية، واستدعاء الخارجية المصرية وقتها للسفير الإثيوبى لتحميله رسالة تترجم لغتها الدبلوماسية إلى استعداد مصر للتدخل عسكريا فى حالة المساس بمياه النيل. وعندما لم تنف القاهرة أو أديس أباباالخبر، انزعج النواب الإسرائيليون - من المعارضة ومن الائتلاف الحاكم - وطالبوا رئيس الوزراء، إسحق شامير، بسحب المهندسين من إثيوبيا لأنه «من الحماقة إغضاب مصر» معتبرين العلاقة معها أثمن ما فى المصالح الإقليمة لإسرائيل. وجاء فى محضر جلسة لجنة العلاقات الخارجية والأمن بالكنيست أن المحافظة على التوازن الهيدروسياسى فى حوض النيل تتصدر أولويات الأمن المصرى. واستشهد النواب بقول الرئيس الراحل أنور السادات إن الجيش المصرى لن يخوض حروبا دفاعا عن مصالح الآخرين لكنه سيلقى بكل ما لديه فى حرب استباقية إذا لاح أي تهديد ل «نقطة واحدة من مياه النيل». استراتيجية الدفاع - بحروب وقائية - موجودة بالتفاصيل فى كتابى «حروب المياه: الصراعات القادمة فى الشرق الأوسط» الصادر بالإنجليزية عام 1993 عن دار فيكتور جولانص - لندن، حسب مقابلات مع الرئيس الراحل (قال «إللى يفكر يمس النيل حاقطع إيده قبل ما توصله»)، والدكتور بطرس بطرس غالى، ووثائق مراكز الدراسات العسكرية عن الأولويات الدفاعية لجيوش المنطقة، حسب المصالح الاستراتيجية للأمة المصرية وبلدان حوض النيل الثمانية الأخرى. وكان لصدور الكتاب أصداء عالمية فى وكلات الأنباء التى قالت «خبراء الشرق الأوسط يحذرون بأن الصراع القادم سيكون على المياه». استغرق بحث الكتاب سنوات ومنها لقاءان مع رئيس الوزراء السابق آرييل شارون، الذى أكد أن تأمين روافد نهر الأردن كان سببا مباشرا لحرب الأيام الستة 1967. وقال حرفيا «إن محاولة (الرئيس الراحل جمال عبد الناصر) لاستخدام سلاح المياه حسب محاضر القمة العربية عام 1964 جعلت الحرب مسألة وقت»، وذكرنى بأن منظمة فتح عند مولدها (يناير 1965) حاولت نسف أنبوب المياه القومى الممتد بطول إسرائيل. وكانت المناوشات التى انتهت بحرب يونيو بدأت بإطلاق الإسرائيليين النار على جرارات الحفر السورية فى مشروع تحويل مجرى اليرموك على الشاطئ الشمالى من بحرية طبرية، وهو خط هدنة 1949، أى 21 مترا جنوب حدود فلسطين تحت الانتداب البريطانى (وال21 مترا عقبة تمنع التوصل لاتفاقية سورية - إسرائيلية للانسحاب من الجولان). وحسب الوثائق المنشورة فى كتابى لا تملك إثيوبيا، أو أخواتها النيلية السبعة، حق المساس بمياه النيل دون إذن مصر حسب اتفاقية 1929، التى صاغ بنودها السياسى العظيم، السير ونستون تشيرشل، وكان حريصا فيها على ضمان سيادة مصر الكاملة على الحوض، الذى اعتبره وحدة هيدروسياسة متكاملة عاصمتها القاهرة ولها حق التدخل العسكرى لحماية النيل. وفى كتابه «حرب النهر» الصادر عام 1899 (ونسخة منقحة عام 1911) وصف النيل بشجرة جذورها بلدان أفريقيا ومصر تاجها الأخضر المزهر. والاتفاقية تضمن لمهندس الرى المصرى المقيم وحده حق الإذن بفتح أو إغلاق سد أوين بأوغندا. فلتشهر الخارجية المصرية اتفاقية 1929 فى وجه إثيوبيا وغيرها بنفس حماس المرحومين السادات وتشرشل، لحماية كل قطرة من مياه النيل.