بين طرقات المسجد، وفى حماماته لا صوت يعلو فوق صوت الست رئيسة، الكل يسمع كلامها وينفذ أوامرها من منطلق أنها «بركة المكان» وأقدم العاملين فيه، رغم أنها فى الحقيقة هى خادمة المسجد المسؤولة عن حمامات السيدات فيه. 20 عاماً كاملة قضتها رئيسة داخل مسجد الإمام الشافعى، حفظها رواده من كثرة ترددهم عليه، ورغم أن العمل فى المسجد كان بمثابة المرحلة الثانية فى حياتها، فإنها تعتبره أهم أعمالها والباقى لها بعد أن أدارت لها الدنيا ظهرها، وزحلقت بناتها واحدة ورا التانية على بيت العدل والستر الحقيقى. لم تختلف حياة رئيسة عن أى سيدة لم تنل قسطاً من التعليم ونشأت فى بيئة بسيطة وتزوجت فى سن مبكرة، حيث خرجت مثل غيرها تساعد زوجها على أعباء المعيشة، باعت القصب والبطيخ: «كنت ساعتها جتة وبصحتى، أسرح بالبضاعة طول النار وربنا بيكرمنى.. لكنها تخلت عنها لظروف تتعلق بقلة الرزق، حيث لجأت إلى شيخ المسجد تشكو إليه حالها وحال زوجها وأبنائها الثمانية: 4 بنات و4 رجال، فعرض عليها العمل فى بيت ربنا: «دخلته وأنا عندى 42 سنة.. جوزى مات وسابلى العيال، والحمد لله قدرت أجوزهم.. وحتى قبل ما يموت كنت شايلة هم البيت، أصل الست الأصيلة هى اللى تشيل جوزها فى الأزمات، مش لما يتعب ترميه». ورغم أن رئيسة تتقاضى مبلغاً رمزياً من عملها فى المسجد لا يكفى لشراء أدوية سكر وقلب فإنها سعيدة بهذا العمل لأن القليل فى نظرها خير من العدم، كما أن «معاش السادات» الذى تتقاضاه يعينها أحياناً على الحياة دون أن تمد يدها للغير، بساطة حياة الست رئيسة انعكست أيضاً على أحلامها فهى لا تحلم من الدنيا إلا ب«قرش كويس تقدر تصرف بيه على نفسها».