ستتعجب إذا أخبرتك أننى لم أشرب من مياه النيل إلا عندما ضربت أقدامى فوق أسفلت القاهرة الملتهب.. وهذا لأننى اعتدت أن أشرب من «الطرمبة» الكائنة بجوار منزلنا بقريتنا الريفية المتواضعة.. و«الطرمبة» للإخوة الأجانب هى اختراع بدائى لاستخراج المياه العذبة من باطن الأرض وهذه المياه كانت على النقيض تماماً من مياه النيل، فمياه النيل إنتاج مشترك، وردت إلينا من جنوب القارة السمراء وأضيف إليها مياه الصرف الصحى من بلادنا ليخرج لنا مشروب جديد ذو طعم ولون ورائحة عجب!! وأصبح النيل الذى يضرب مصر من جنوبها لشمالها أشبه بماسورة صرف صحى كبيرة يستخدم لجميع الأغراض الشرب والاستحمام وكذلك كمصرف مركزى يتلقى المخلفات الآدمية والحيوانية ومخلفات المصانع بصدر رحب.. وعندما سألت المطربة شرين فى رائعتها الوطنية مشربتش من نيلها؟ أجبت أنا وكثير من المصريين بكل أسى وفى أفواهنا مرارة الشربة، شربنا حتى تكرعنا وترك النيل بصماته فى داخل كل مواطن تجرع شربة أو شربتين، وكان التطور الطبيعى للشربة التى سقينا إياها مرغمين أنا وباقى المصريين المعدمين غير القادرين على شراء زجاجة مياه معدنية أن نهذى بكلمات غير مفهومة، وتجد المواطن يسير بالشارع «بيبرطم» وعندما أصابنى الضجر وتملكت منى الهموم على ما حلّ بى من الشربة إياها مشيت بالشوارع هائماً على وجهى متبعاً التعليمات ومطبقاً لنصيحة شرين.. لا أدرى لماذا كل هذا؟ وإلى أين المسير؟ المهم حاولت أن أشكو للشوارع ولكن هيهات هيهات فالشوارع تئن وتحتضر وتنبالوعات وفتحات طرق قد شربت وارتوت من دماء الأبرياء على الطرق السريعة وفى النهاية وضعت همى على هموم اخوانى المواطنين وانضم إلينا الشارع بكل ما فيه وصرنا جميعاً نشدو برباعية صلاح جاهين: علقت فى زف دماً طرق مهلهلة.. مطبات طبيعية وصناعية.. نتوءات وفجوات.. انحدارات ومنزلقات.. المسمار قناع مهزلة.. ومعاه قناع مأساة بحزنه ابتلا..بصيت لقيتهم يشبهوا بعضهم.. واهو ده العجب يا ولاد وإلا فلا.. عجبى!! محمد الزمزمى [email protected]