كان من حُسن حظى أن أشهد حالة حوار ساخن بين عشرين صحفية وصحفيًا يمثلون عشر صحف ومجلات مصرية وبين رئيس الوزراء د. أحمد نظيف حول واحدة من أهم قضايا الحياة فى مصر وهى قضية محاربة الفساد والحد منه ومن آثاره السلبية على وجه الحياة المصرية، كان رأس الموضوع فى الحوار هو دور الحكومة بأجهزتها وسياساتها ورؤاها التشريعية فى الحد من التكلفة الفادحة التى يدفعها المجتمع المصرى فى صورة فواتير نهب المال العام والثروة الوطنية بدلاً من توزيعها بالعدل على الشرائح الاجتماعية المتنوعة وفى صورة مدفوعات غير قانونية يضطر المواطنون إلى سدادها للمسؤولين الحكوميين للحصول على حقوقهم فى أحيان كثيرة وللحصول على ما ليس حقًا لهم فى بعض الأحيان. جاء اقتراح الحوار على شباب الصحفيين من الأستاذ مصباح قطب، المستشار الاقتصادى ل«المصرى اليوم» والمدرب فى البرنامج التدريبى الذى نظمته صحيفة «المصرى اليوم» مع مركز المشروعات الدولية الخاصة لستين صحفيًا وصحفية من معظم الصحف والمجلات المصرية والذى استهدف تدريب الشباب على فن التحقيق الصحفى الاستقصائى باعتباره أهم أسلحة الصحافة فى كشف خفايا قضايا وحالات الفساد، كانت جلسات الافتتاح للدورات الثلاث التى ضم كل منها عشرين صحفيًا مناسبة لتقديم خبرات جيل الوسط الذى يتحمل مسؤولية قيادة «المصرى اليوم» حيث افتتح الدورة الأولى الأستاذ عبدالحكيم الأسوانى، نائب رئيس التحرير وافتتح الثانية الأستاذ محمد رضوان، مدير التحرير وافتتح الثالثة الأستاذ مجدى الجلاد، رئيس التحرير، وكان الختام دائمًا لكل دورة ممهورًا بخبرات شيخ الصحفيين ونقيبهم الحالى وصاحب التاريخ المتميز فى التحقيق الصحفى الأستاذ مكرم محمد أحمد، من الدروس التى أرساها النقيب فى الأذهان قوله وهو يخاطب شباب الصحفيين عليك أن تذاكر المصدر الذى سوف تقابله وتدرس تاريخه وأفكاره وكذلك عليك أن تدرس أبعاد الموضوع الذى ستناقشه فيه، حتى تكون أنت كممثل للرأى العام قائدًا للحوار واعلم أنك لو ذهبت للمقابلة دون أن تملك السيطرة على موضوعك فإن المصدر أى الشخص المسؤول سيتحكم فى رأسك ويقودك إلى الزوايا التى تهمه بعيدًا عن صلب القضية التى تحققها، لقد أكد مصباح قطب إيمانه بهذه القاعدة وتطبيقه إياها خلال عمله فى صحيفة الأهالى وطرح فكرة تقضى بضرورة تدريب الصحفيين على توليد الأسئلة الصحيحة المناسبة لهدف التحقيق وتوجيهها للمسؤول أو المصدر فى التوقيت المناسب من المقابلة قائلاً لا يمكن القول إن الصحفى امتلك مهارات التحقيق الاستقصائى دون تنشيط غدد إنتاج الأسئلة «لماذا وكيف ومن ومتى...إلخ»، فى هذا السياق طلب قطب من الشباب العشرين تقسيم أنفسهم إلى سبع مجموعات لتقدم كل مجموعة أربعة أسئلة رئيسية تقدم إلى رئيس الوزراء حول دور الحكومة فى محاربة الفساد لاختبار سرعة البديهة فى استدعاء المخزون المعرفى من الذاكرة وتوليد الأسئلة المناسبة للانتفاع بفرصة لقاء رئيس الوزراء، انطلقت حالة منافسة بناءة وطرح الشباب الأسئلة فى عدة محاور، كان المحور الأول، حول المعلومات الحكومية وعدم دقتها، ومن الأسئلة فى هذا المحور، لماذا تتأخر معلومات مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء عن الحدث؟!.. ولماذا يعتمد المركز على بيانات متقادمة مر عليها وقت طويل فى حالات عديدة؟!.. ولماذا لا يستفيد مجلس الوزراء من معلومات جهات أخرى؟!.. وما تفسيره لفوضى الأسعار فى مصر وعدم تجاوبها مع الأسواق الدولية إلا فى حالة الارتفاع؟!.. وجاء سؤال آخر يقول لماذا تأخر صدور قانون حرية تداول المعلومات؟ وهل سيقلل القانون فى حالة صدوره من تعرض الصحفيين للحبس؟ وهنا كانت الصحفية صاحبة السؤال تقصد أن غياب المعلومات من الأسباب التى تؤدى بالصحفيين المصريين إلى السجن نتيجة لعدم توافر المعلومات الموثقة حيث إن المصدر مالك الوثيقة يمكن أن يخفيها بعد أن يطلع الصحفى عليها فإذا نشر الصحفى المعلومات فإن عبء إثباتها يقع عليه وإلا تعرض لعقوبة الحبس.. من أسئلة هذا المحور أيضًا، سؤال حول أسباب التعتيم الحكومى على مشروعات كبرى مثل مشروع توشكى وحول قضايا مهمة مثل الدخول المالية للوزراء وكبار المسؤولين فى المؤسسات الحكومية وسؤال حول تأخر رئيس الحكومة فى إصدار بيانات حول الأحداث المهمة المؤثرة على الرأى العام لإيضاح الحقائق والقضاء على البلبلة والشائعات. أما المحور الثانى، فتركزت الأسئلة فيه على قضايا الفساد الشهيرة التى وقعت فى السنوات الأخيرة، وعن موقف الحكومة بشأنها، أما المحور الثالث، فتركزت فيه الأسئلة على الفضاء السياسى المحيط بمحاربة الفساد من قبيل رأى رئيس الوزراء حول الإشراف القضائى على الانتخابات باعتباره مفتاحًا لانتخابات حرة قادرة على إفراز مجلس شعب قادر على ممارسة دوره الرقابى على الحكومة، ومثل ازدواجية الموقف الحكومى من التقارير الدولية والمحلية حول الفساد أو الأداء الحكومى عامة حيث تبدى الحكومة اهتمامًا بالتقارير الدولية وترد على جهات إصدارها فى حين تهمل التقارير المحلية وهو ما يعكس أولويات الاهتمام الحكومى. بعد طرح الأسئلة علق المدرب مصباح قطب، مؤكدًا فى البداية على أهمية أن يمتلك الصحفى المحاور منهجًا فى طرح أسئلته بمعنى ترتيب علامات الاستفهام فى نسق معين، فيمكنه أن يستخدم منهجًا صادمًا- على سبيل المثال- أى أن يبدأ بتوجيه اتهام ليستثير رئيس الحكومة أو أن يبدأ ناعمًا ثم يتوغل فى العمق لينتهى بسؤال يترك انطباعًا لا يضيع سريعًا. ثم أكد قطب أهمية صقل السؤال وبلورته حتى لا يتيح الصحفى لرئيس الوزراء الهروب إلى إجابات عامة مشيرًا إلى أن أسوأ ما يمكن للصحفى عمله بتعبير الأستاذ الكبير الراحل كامل زهيرى، هو طرح السؤال «أبو جوابه» أى المنطوى على تلميح بالإجابة أو المعروفة إجابته سلفًا، «قل لى ما هو سؤالك أقل لك من أنت» هذا مبدأ أكد عليه قطب منبهًا إلى ضرورة تفادى الأسئلة التى تعجز عن دفع رئيس الوزراء عن الإدلاء بمعلومة جديدة أو خبر جديد أو كشف زاوية جديدة من الموضوع. لقد كانت تجربة الحوار الافتراضى مع رئيس الوزراء فرصة لتبادل الآراء حول مناهج طرح الأسئلة انطلاقًا من قاعدة اتفق عليها جيل القيادة الحالى ممثلاً فى مجدى الجلاد وجيل شيوخ الصحافة ممثلاً فى مكرم محمد أحمد وهى أن على الصحفى أن يتجه إلى الحوار وهو جاهز فى الموضوع محيط بكل جوانبه ليستطيع التنقيب بالأسئلة عن الجوانب الأعمق التى مازالت خافية على الرأى العام.