فى دول العالم المتحضر لابد للزائر أن يلحظ الكم الهائل من المتاحف التى تخلد ذكرى قادتها وزعمائها وفنانيها وأدبائها، بل تتحول تلك المتاحف إلى مزارات سياحية يفد إليها القادمون إلى تلك البلدان من جميع أنحاء العالم ليطالعوا جزءًا من تاريخ تلك الأمم وآثارها السياسية والفنية. فى مدينة بون ، على سبيل المثال، يتوافد آلاف الزوار والسياح يوميًا لزيارة متحف الموسيقار الألمانى الفذ بيتهوفن، وهو المنزل الذى ولد فيه عام 1770، وعاش فيه حتى وفاته عام 1872، قبل أن يتم تحويله إلى متحف يضم كل مقتنياته ومؤلفاته وإبداعاته الموسيقية وإقامة تمثال له فى أحد ميادين بون وهو ميدان البريد. وإقامة متحف لرئيس أو زعيم أو فنان أو أديب ليس مجرد تخليد لذكرى صاحبه، أنما هو تخليد لجزء من تاريخ وتراث أمة، وحفاظًا على ذاكرة شعب وهوية وطن، فعظمة الأمم تقاس بحجم ما أنجزته فى التاريخ الإنسانى بمعناه الشامل، وبقدر حفاظها على هذا التاريخ والاستفادة منه. ليست ألمانيا وحدها التى تخلد مبدعيها وقادتها وإنما غيرها أيضًا من الدول التى تحترم تاريخها وتقدره باعتباره عنوانًا لهويتها ومكانتها وقدرها بين الأمم، وذاكرة حية لشعوبها وأجيالها القادمة. وإذا كنا نحتفل هذه الأيام بالذكرى 57 لثورة يوليو المجيدة وقائدها الزعيم الخالد جمال عبد الناصر، تلك الثورة التى غيرت وجه الحياه فى مصر والعالم العربى والاسلامى والدولى، وكان قائدها ومازال واحدًا من أبرز وأهم القيادات التاريخية التى لعبت دورًا فاعلاً ومؤثرًا فى السياسة الدولية، فهل من المعقول والمقبول أن تبقى ذكرى رجل بقدر وقامة عبدالناصر بلا متحف يتناسب مع نضاله الطويل وتضحياته من أجل وطنه وأمته. أعرف أن الرئيس مبارك ومن منطلق حرصه الدائم على إحياء ذكرى وتاريخ زعماء مصر أصدر- مشكورًا- قرارًا فى يناير 2008 بتحويل منزل الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، الذى عاش فيه فى منشية البكرى بالقاهرة إلى متحف يضم أبرز مقتنياته ووثائقه تقديرًا لدوره ومكانته. ولكن نسأل ماذا تم بشأن تنفيذ القرار الجمهورى، وأين اللجنة العليا الذى أمر السيد فاروق حسنى وزير الثقافة بتشكيلها «لوضع تصور كامل لمنزل عبدالناصر، تمهيدًا لتحويله إلى متحف» وفق النظم الرقمية المتبعة فى المتاحف العالمية؟ إلى ماذا انتهت اللجنة بعد مرور أكثر من عام ونصف العام حتى الآن؟ وهل وضع وإعداد التصور يستغرق كل هذا الوقت أم أن الجميع منشغل الآن بمعركة الوزير فى رئاسة اليونسكو؟ الخوف أن يطوى النسيان القرار مثلما حدث أيضًا مع قرار تحويل المنزل، الذى ولد فيه عبدالناصر عام 1918 فى حى باكوس بالإسكندرية إلى متحف وتحول المنزل إلى شبه خرابة مهجورة تعربد فيها المياه الجوفية ومهدد بالإزالة، بعد أن تقرر تحويله فقط إلى مكتبة بلا كتب أو مقتنيات ويتبع منذ عام 71 الإدارة العامة للمخازن بمحافظة الإسكندرية. وسبق أن صدر عام 70 قرار من مجلس الأمة - الشعب حاليًا- بتخصيص منزل منشية البكرى لأسرة عبد الناصر على أن يتم تحويله إلى متحف لاحقًا لتخليد ذكرى الزعيم، وفى عام 90 طلبت أسرة عبد الناصر بوقف المعاش والمخصصات، وتحويل المنزل إلى متحف بعد وفاة السيدة الجليلة تحية عبدالناصر، إلا أن المشروع لم يتم حتى صدر القرار الجمهورى الأخير. فهل يرى متحف ناصر النور فى ذكرى يوليو القادمة تنفيذًا لقرار صدر من رئيس الجمهورية؟