كنت أتميز غيظاً بعد أن قرأت مقالاً للكاتب الكبير أنيس منصور، فى عموده اليومى بجريدة «الشرق الأوسط»، يمارس فيه «تلقيحاً» شبه صريح فيما يخص إيمان الكاتب الكبير توفيق الحكيم، زاعماً أن الحكيم كتب مسرحية إلحادية ولم يجرؤ على نشرها لكنه سمح لأنيس منصور بقراءتها، ويبدو أن حبوب الشجاعة لم تكن قد نزلت فى الأسواق وقتها لكى يتناولها الأستاذ أنيس ويكتب ما كتبه فى حياة الحكيم، مقرراً أن ينشره الآن بعد سنوات من غياب الحكيم الذى لم يكفه ما ناله فى حياته من التكفير، لكى يتلقى طعنة طازجة من يد أنيس منصور الذى لا يكف عن إطلاق لقب «أستاذنا» على توفيق الحكيم الذى كانت تربطه به علاقة ملتبسة ملغزة جعلت أنيس واحداً من أبرز من اتهموا «أستاذه» الحكيم بسرقة أفكار مسرحياته من الأدب العالمى دون ذكر المصدر، لم أقرأ الاتهامات حين نشرها فلم أكن قد خرجت من المطبعة بعد، لكننى قرأت عنها دراسة وافية فى كتاب العلامة الدكتور محمد رجب البيومى «بين الأدب والنقد»، (الصادر عن الدار المصرية اللبنانية، وهو كتاب شديد الإمتاع ووافر الفائدة). بعدها بأيام تحول غيظى إلى قرف عندما قرأت تلك التصريحات القميئة التى أصدرها البطل أحمد الهوان، الشهير بجمعة الشوان، الذى برغم احترامى لتضحياته وتاريخه قرر فجأة ودون سابق إنذار أن يضيف إلى سجل بطولاته أنه كان متزوجاً عرفياً من المرحومة سعاد حسنى، وقد كفانا المخرج الكبير على بدرخان مؤونة الرد على تلك التصريحات، خصوصاً أن سعاد حسنى كانت على ذمته فى الفترة التى يتحدث عنها الأخ الهوّان الذى «ماهانش عليه» أن يضع لسانه فى فمه ويحسب حساب حرمة الموتى الذين لا نطالب لهم بحصانة نهائية مجانية، فقط نطلب ألا يفتح فمه بالحديث عنهم سوى من يمتلك دليلاً قاطعاً على ما يقوله، وإلا من الآخر وببساطة شديدة عليه أن يضع فى فمه شراباً قديماً وينقطنا بسكاته. لا أقول إننا وصلنا إلى التقدم الذى حققه الغرب فى توحشه فى استباحة حرمات الموتى، لكننى كنت أتمنى أن ننافسه فى شىء آخر يجدى نفعاً، خصوصاً أننا خاسرون حتماً فى هذه المنافسة.. ما تنشره الصحف الإنجليزية عن مايكل جاكسون هذه الأيام مذهل فى قدرته على إيجاد الجديد الصادم كل يوم، كان قارئ كريم من المعجبين بمايكل قد غضب منى بشدة وكرر طلبه لى بالاعتذار عما نشرته أو بمعنى أدق ترجمته حول إدمان مايكل للمخدرات، ومع أننى لم أنشر ذلك لضديات بينى وبين مايكل جاكسون، بل كنت فقط أتأمل بنية حسنة ما وصفته بعدم قدرة حصول الإنسان على السعادة حتى وهو يمتلك أسبابها، كدت أضعف وأعتذر، لكننى شاهدت الخميس الماضى على العديد من أغلفة الصحف الشعبية صوراً بشعة لجثة مايكل تبين آثار الإدمان التى وجدت فى ذراعيه وقدميه، فتمنيت أن أعتذر ليس للقارئ المعجب بمايكل بل لمايكل نفسه على هذا الانتهاك البشع لإنسانيته وخصوصيته، سترنا الله فى الدنيا والآخرة. على أى حال لايزال فى الغرب بكل انفتاحه وانفلاته من يجد هذه الأفعال مقززة وصادمة ويحاول التصدى لها، منذ أيام ثارت معركة صحفية وإعلامية فى الولاياتالمتحدة، بسبب كتاب يدّعى مؤلفه أن جاكلين، أرملة الرئيس الأمريكى الأسطورة جون كينيدى، دخلت فى علاقة غرامية ملتهبة مع شقيق زوجها روبرت كينيدى بعد شهور من مصرع زوجها، مستندا إلى شهادة صديقة للعائلة قالت إنها شاهدت الاثنين يتبادلان قبلات غير بريئة تطورت إلى وضع الأيدى فى أماكن غير ملائمة، دون أن تفسر له لماذا قبلت على نفسها تركيب الإريال والتلصص لمشاهدة ذلك، والكاتب بنى على هذه الحكاية كتابه كله دون وضع قابلية السيدة للتخريف فى اعتباره، مكتفياً بالتدليل على كلامها بأن الذى أصدر أمراً للأطباء بإعلان وفاة روبرت بعد اغتياله أثناء حملته الانتخابية الرئاسية، كان جاكلين نفسها وليس زوجة روبرت. آل كينيدى صُدموا بما أعلنه الكتاب، واكتفوا بإصدار بيان ساخط أعجبتنى فيه جملة «لا نعرف إلى أى مدى يمكن أن يصل بعض الناس فى الوقاحة»، وهى جملة لا أجد أفضل منها لكى أرددها فى هذا المقام، مع أننى لست من آل كينيدى كما تعلم. * يستقبل الكاتب بلال فضل تعليقاتكم على مقالاته عبر بريده الإلكترونى الخاص. [email protected]