قال الخبر الذى نشره موقع «اليوم السابع»، الخميس الماضى، إن شارع العروبة قد شهد «واقعة مثيرة»، وذلك بعد أن ألقى اللواء إسماعيل الشاعر، مساعد أول وزير الداخلية، مدير أمن القاهرة، القبض على ضابط شرطة لارتكابه العديد من المخالفات المرورية. جاء ذلك أثناء مرور اللواء إسماعيل الشاعر بالمنطقة حيث شاهد السيارة رقم ...، وقد وضع صاحبها حاجبا للرؤية على زجاج ونوافذ السيارة، وأخفى اللوحات المعدنية. توجه اللواء الشاعر بنفسه إلى السيارة المخالفة، وقام بفحص التراخيص الخاصة بها، وتبين أن مالكها ضابط شرطة برتبة نقيب، تم اقتياد النقيب إلى قسم الشرطة وتوجيه التهم له وبعد عرضه على النيابة أُلزم بدفع غرامة 500 جنيه وأُطلق سراحه بعد دفع المبلغ. كان من الممكن أن يكون هذا خبرا عاديا لو أننا كنا نعيش فى بلد «عادى»، أى بلد يطبق القانون على الجميع، كبارا وصغارا، أغنياء وفقراء، واصلين ومش واصلين. تنازعنى شعوران: الأول كان شعور بالاحترام للواء إسماعيل الشاعر، وهو رجل محترم ومحبوب. أما الشعور الثانى فقد كان شيئا أقرب للاستفزاز المصحوب بتساؤل بل بتساؤلات عدة: هل من الضرورى لتطبيق قوانين المرور أن يمر إسماعيل الشاعر بنفسه فى موقع الحدث؟ وهل من الممكن أن يمر رجل واحد أو بضعة رجال مهمين فى شوارع غير شارع العروبة (وهو شارع الرئاسة) كى نطبق قوانين المرور؟ أما السؤال الأهم فهو: أين رجال المرور من سائقى الميكروباص الذين يقتلوننا فى اليوم عدة مرات بالعادم الهباب الذى ينفخونه فى صدورنا؟ وأين هم من سائقى سيارات النقل العام والتاكسيات الذين يقفون فى منتصف الشوارع وعلى مطالع الكبارى فيعطلون الدنيا؟ وأين هم من السائقين البلطجية (ملاكى وأجرة) الذين يؤدون ألعابا بهلوانية فى كل الأوقات؟ وأين هم من تعطل الطرق الرئيسية (المحور والدائرى والأوتوستراد) التى تشهد موتا بالجملة تفوق أعداده ضحايا أنفلونزا الخنازير التى صدّعوا رؤوسنا بأخطارها المميتة؟ جميلٌ أن يضرب اللواء إسماعيل الشاعر مثلا يحتذى، ولكن الأجمل ألا يكون هذا المثل شيئا شاذا ومثيرا للضحك الأقرب للبكاء بالنسبة لساكنى القاهرة المعذبين ليل نهار فى شوارع أقرب للغابة التى لا تعتد بقانون ولا تحترم آدمية مواطن. لقد كتب الكثيرون ولا يزالون عن مشكلة المرور فى العاصمة ولا أظن أن علينا أن نيأس من تكرار نفس الكلام. كتبنا عن عدد من يموتون فى حوادث الطرق فى مصر الذى يتعدى ضحايا الحروب فى البلاد المنكوبة، وكتبنا عن تأثير تلك المشكلة على الناتج القومى لما تهدره من وقت وطاقة وأعصاب، وكتبنا عن شعورنا بالخوف من المغامرة اليومية، التى نقوم بها فى شوارع العاصمة والطرق السريعة. وطوال الوقت تؤكد الحكومة لنا عجزها عن حل تلك المشكلة بالفعل لا بالقول. صرح لى أحد الأصدقاء الذى لا ينكر إيمانه بنظرية المؤامرة بأن حكومتنا (حماها الله) لا ترغب فى حل مشكلة المرور حتى تضمن استنزاف المواطن استنزافا شاملا كاملا مانعا فلا تتبقى لديه ذرة طاقة للتفكير فى أمور العيش وربما (لا سمح الله) يسبح عقله فى بحور الأوهام فيحلم بديمقراطية وحقوق (قال إيه) إنسان وأشياء من هذا القبيل. لكننى استبعدت هذا الاحتمال الذى لا يمكن أن يجىء إلا من عقول تتسم بالذكاء الشرير وهو ما لا أظنه فى حكومتى «حبيبتى». انبريت صارخة فى وجهه «إن بلدنا لا تتقدم بينا بسبب أمثالك من الكسالى المؤمنين بنظرية المؤامرة. كل المشاكل من وجهة نظركم سببها الحكومة، كل البلاوى تأتى من ناحيتها بينما أنتم لا تفعلون سوى الانتقاد الهدام. إيه هى الحكومة هتعمل إيه ولا إيه! حرام عليكم». وتمنيت أن يسمعنى مسؤول حكومى (بس يكون كبير) كى يمنحنى مقعدا من ال64 مقعدًا المخصصة للمرأة فى مجلس الشعب. وساعتها لن أنساكم والله.