من بين بنود الحكم الذى أصدرته محكمة جنايات القاهرة، أمس الأول، فى قضية مقتل الفنانة «سوزان تميم»، توقفت أمام البند الذى قضى برفض الدعاوى المدنية التى أقامها أربعة من المحامين لا صلة لهم بأطراف القضية، ولم يوكلهم أحد منهم لتمثيله، لكنهم تدخلوا فيها نيابة عن المجتمع، وبصفتهم مواطنين تضرروا مما ارتكبه المتهمان، فانضموا إلى المدعين بالحق المدنى ليطالبوا قاتلى سوزان تميم بتعويض مدنى عن هذه الأضرار. ولا أنكر أننى شعرت بسعادة، وبقدر كبير من الشماتة، حيث لم تكتف المحكمة برفض الدعاوى التى أقامها هؤلاء، ولكنها قضت - كذلك - بإلزام كل منهم بالمصاريف القضائية وبمبلغ مائتى جنيه أتعاب محاماة، فلم يخرجوا - فحسب - من القضية بلا تعويض، ومن المولد بلا حمص، بل أصبح على كل منهم، أن يبحث عمن يقرضه مبلغ 300 جنيه ليسدده لخزينة المحكمة مقابل المصاريف وأتعاب المحاماة. وهؤلاء المحامون الأربعة، هم الذين صمدوا فى ساحة قضية سوزان تميم، التى اجتذبت فى بدايتها فيلقًا كبيرًا من المحامين، وجدوا فيها - بحكم شخصية الضحية والمتهمين وملابسات الجريمة - فرصة، إما للحصول على توكيل بالدفاع عن أحد المتهمين، أو للمدعين بالحق المدنى، وكلهم ممولون من أصحاب الأرصدة الدولارية والإسترلينية، فينوبهم من الكعكة قطمة، ومن الدولارات ربع أرنب، أو خمسين ستين أستك، فطاف كل منهم بساحة المحكمة، وهو يرتدى روب المحاماة، ويحمل دلوًا مليئًا بكتب القانون، وبزجاجات المثلجات وينادى: إحنا بتوع الساقع.. إحنا بتوع البراءات والتعويضات.. معانا بيبس ومحامى برفكس! وبعد أن ظفر بالتوكيل عن المتهمين.. وعن المدعين الأصليين بالحق المدنى من أسرة الضحية، أصحاب الحظ السعيد من المحامين، لم يقعد اليأس آخرين عن السعى للبحث عن لقمة طرية فى هذه القضية الدولارية، ولأنها - بحكم أشخاص ومراكز المتهمين فيها - موضوع يثير لعاب الإعلام المرئى والمسموع، المشغول دائمًا بالبحث عن مادة يحشو بها الصفحات، ويعبئ بها ساعات الإرسال، فإن الحظ الذى أخطأهم فى الحصول على التوكيلات الأصلية، ليس مبررًا للانسحاب من مسرح القضية، الذى يحتشد بمئات الصحفيين وكاميرات الفضائيات، وبقاؤهم على خشبته، سوف يؤدى إلى نقل أسمائهم وصورهم وأحاديثهم ومرافعاتهم وعناوين مكاتبهم، إلى أربعة أركان المعمورة، فيرتفع ذكرهم، ويتوافد الموكلون إلى مكاتبهم، زرافات ووحدانًا، ومعهم زكائب الدولارات وأساتك الإسترلينى، ليجدوا كلاً منهم قد علق على باب المكتب ونافذته لافتة ضخمة تقول «فلان الفلانى.. محامى بالاستئناف العالى ومجلس الدولة ومحكمة سوزان تميم». وهكذا شهدت الجلسة الأولى من المحكمة، هذا الفيلق من المحامين الذين طالبوا بالتدخل فى القضية كمدعين عن الحق المدنى نيابة عن الشعب، وباعتبارهم مواطنين أصابهم ضرر مباشر، باشتراك محسن السكرى وأستاذه هشام طلعت مصطفى فى اغتيال سوزان تميم، فالأول ضابط مباحث أمن دولة سابق تعلم على نفقة الشعب، وتدرب على مقاومة الإرهاب فى بلاد أجنبية من أموال دافعى الضرائب، والثانى رجل أعمال خصصت له الدولة آلاف الأفدنة من الأرض التى يمتلكها الشعب، بأسعار زهيدة، ليبنى عليها مجتمعات عمرانية جديدة، فإذا بهما يهدران ما أنفق عليهما وما ربحاه من عرق الشعب، فى مطاردة فتاة على امتداد ثلاث قارات، مما يجعل من حق محامى الشعب الحصول على تعويض منهما.. واستدعاء «زيد» و«عبيد» من الوزراء والمسؤولين، لسؤالهم عما أنفق على المتهمين، من أموال الشعب! وما كادت المحكمة تصدر قرارًا بحظر النشر عن القضية فى كل وسائل الإعلام وبحظر دخول الكاميرات إلى قاعة المحكمة، حتى انفض هذا الفيلق من محامى الشعب وانسحب من مسرح القضية، وهو يلعن الحظ السيئ، الذى قضى بأن تفوته مَحْكمة الدولارات والإسترلينى فى البداية، ثم تفوّت عليه المحكمة - بقرار حظر النشر - مَحْكَمة الدعاية المجانية، التى يمكن أن تعوضه عن ذلك ولو بكام باكو من الجنيهات المصرية! ما أعرفه أن لمهنة المحاماة تقاليد وأدبيات لا تجيز للمحامى أن ينشر إعلانات عن نفسه، أو يسلك سلوكًا يزدرى كرامة مهنته، فلماذا تصمت نقابة المحامين على هذا الفيلق من محامى الشهرة الذين يسيئون استغلال حق التقاضى، ويقيمون دعاوى الحسبة الدينية والسياسية، التى يعلمون أنها ستُرفض، فيضيعون وقت القضاء المكدود أصلاً، بزحام القضايا، ويعطلون الفصل فيها؟ وما أعرفه أن لمهنة الصحافة والإعلام تقاليد وأدبيات لا تجيز للصحفى أن يغش القارئ، أو يخدعه، بأن يسلط الأضواء على شخصيات هو أول من يعلم أنها تستغل الإعلام للبحث عن شهرة كاذبة، أو لابتزاز الآخرين.. فلماذا لا يلقن الإعلاميون هؤلاء درسًا فيحرموهم من الشهرة حتى يكفوا عن هرش مخ القضاء، وهرش مخنا؟! سؤالان يبحثان عن إجابة!