كنت لا أستطيع كتم ثورتى عندما أسمع العبارة الخالدة «الناس هيقولوا إيه؟»، فأسهب فى أن الإنسان عليه أولاً وقبل كل شىء أن يفكر فى مدى مطابقة ما يعمله مع مبادئ الدين والأخلاق، بغض النظر عما يمكن أن يقوله الناس، وأن الأمر الجوهرى هو علاقة الإنسان بخالقه أولاً وقبل كل شىء، وقد تحققت من أن «مرض» ما سيقوله الناس قد تسلل إلى نفوسنا جميعاً، وبدأت أسس الرقابة الذاتية الخانقة لكلمة الحق وللإبداع والابتكار وجوهر الأمور تتسلل إلى أرواحنا، حتى «مسختنا» فى معظم الأحيان وأصبحنا لا نعير أى اهتمام لهذا «الجوهر» ما دمنا نعرف كيف «نرضى الناس».. فعلى سبيل المثال بتنا نهتم «بالشكل» على حساب المضمون، كما لخص الوضع فى جملة عبقرية الكاتب المبدع جلال عامر، عندما أوجز أن سائق التاكسى يشغل القرآن الكريم ولا يشغل العداد! وأيضاً قال وزير التنمية الإدارية د. أحمد درويش إن الموظف يصلى فى جماعة ثم يقبل الرشوة، ووضعنا أنفسنا رغم ذلك، فى «مرتبة عالية»، بادعاء أن الله هو الذى كتب لنا النصر فى مباراة لكرة القدم عندما نفوز ثم نبحث عن كل أدوات جلد الذات عندما نخسر، بغض النظر عن متطلبات النجاح فى أى شأن من شؤون الدنيا، سواء بالعلم أو التدريب أو العمل الجاد، لدرجة أن أحد رجال الدين، أكد أننا انتصرنا فى حرب أكتوبر المجيدة، لأن الله بعث لنا بجنود حاربوا بدلاً عنا! وليس لأننا تدربنا على فنون الحرب والقتال، مع إرادة النصر والتحرير، وساد بيننا شعار أننا خسرنا كذا أو فقدنا كيت لابتعادنا عن الدين ولم نتوقف لحظة لنسأل عن مدى التزام الطرف الآخر «المنتصر» بصحيح الدين، وقد فوجئت أننى شخصياً بدأت أقع فريسة هذا «الإرهاب» الفكرى عندما خشيت الحديث عن مجدى الجلاد فى الحملة الظالمة التى تعرض لها مؤخراً حتى لا يتصور الناس أننى أتخذ موقفى لأن الجلاد هو رئيس تحرير الصحيفة التى فرضت وجوداً مدوياً بعد سنوات قليلة من صدورها، وبينما أضبط نفسى متلبسة بالمرض الجديد، تذكرت أننى بقيت أكتب فى «المصرى اليوم» لنحو سنتين قبل أن ألتقى وجهاً لوجه مع مجدى، وكنت أتابع مقالاته التى أتفق مع معظمها، ولكن عندما كتب مرة مقالا اختلفت فيه معه، ضمنت مقالى الأسبوعى اختلافى هذا بصورة واضحة، ومع ذلك نشر الجلاد الكلمات التى كنت أعتقد أنها صائبة، وهذا تقليد لا أعتقد أنه «دارج» فى بقية الصحف، طاردنى هذا الموقف وحزنت أننى «انضممت» إلى السواد الأعظم الذى بات «يخشى» قول ما يعتقد لمجرد حسابه على ما قد يقوله الناس، مع العلم بأننى على كثرة ما بى من عيوب، أتصور أن كل المقربين والقريبين منى يعلمون تماماً أننى «صريحة» ولا أخشى فى الحق لومة لائم، فماذا حدث؟ قررت أن أنفض عن نفسى هذا الغبار الذى يهدد بطمسنا جميعًا، وأن أضم صوتى لصوت الذين يضعون سلامة هذا الوطن فوق كل اعتبار، فهل «أبتلع» مثلاً رأيى بأن «الخارطة العربية والإسلامية» محزنة وقاتمة؟ وإذا كنت مخطئة فليشرح لى أحد من هم «المسلمون» فى هذه الدول ومن منهم المسؤولون عن مئات الجثث يوميًا وعن الدماء التى تسيل أنهارًا فى الصومال والطرق وباكستان وفلسطين واليمن وأفغانستان، وكم قدر ما يسيل منها بأيدى الغزاة وقدر ما يتكفل به «الغيورون» على الدين.. لقد باتوا كلهم «آلهة» ويريدون لنا أن نغدو أقل من بعوضة! ولا يجوز أن نقبل أبدًا بذلك إذا كنا فعلاً نؤمن بالله الواحد «المطلع على خبايا النفوس».