فى عام 1998 سافر المنتخب المصرى لكرة القدم إلى بوركينا فاسو للمشاركة فى كأس الأمم الأفريقية وسط توقعات بخروج الفريق صفر اليدين من الدور الأول للبطولة، ورغم ذلك فاز المنتخب المصرى بلقب البطولة للمرة الرابعة فى تاريخه. ولم يكن أكثر المتفائلين يتوقع أن يصل الفريق إلى الدور قبل النهائى، خاصة بعد أن أعلن المدرب الشهير محمود الجوهرى، المدير الفنى للفريق وقتها، أن الفريق سيحصل على المركز الثالث عشر فى البطولة على أكثر تقدير. لكن الفريق المعروف بلقب «أحفاد الفراعنة» ضرب بكل التوقعات عرض الحائط، بعدما تجاوز كل العقبات فى طريقه إلى البطولة. ولكنها لم تكن المرة الأخيرة التى يسير فيها المنتخب المصرى عكس التوقعات، فقد صادفه نفس الشىء فى معظم البطولات التى شارك فيها على مدار التصفيات. وها هو المنتخب المصرى يكرر نفس الشىء فى بطولة كأس العالم للقارات، التى تستضيفها جنوب أفريقيا حالياً وتستمر حتى 28 يونيو الجارى. ومنذ إجراء قرعة البطولة فى أواخر العام الماضى توقع كثيرون أن يخرج المنتخب المصرى صفر اليدين من الدور الأول، بعدما ظلمته القرعة وأوقعته فى المجموعة الثانية الصعبة التى أطلق عليها جميع الخبراء لقب «مجموعة الموت». ولم يأت هذا اللقب من فراغ بالتأكيد، فالمجموعة التى تضم منتخبات البرازيل بطل العالم خمس مرات سابقة وإيطاليا حامل لقب بطولة العالم والولايات المتحدة صاحب المستوى الرائع فى الفترة الماضية، يجب أن تكون بالفعل «مجموعة الموت»، وعلى الفريق الرابع الذى يقع فى هذه المجموعة أن يتوقع ضربات قاتلة من أى من الفرق الثلاثة. لكن المنتخب المصرى برهن مجدداً على أن الترشيحات القوية والتوقعات المبالغ فيها قد تطيح بأصحابها خارج البطولات، بينما قد تكون الترشيحات الضعيفة فى صالح أصحابها. ونجح المنتخب المصرى فى تقديم عرضين رائعين حتى الآن فى البطولة الحالية أمام الفريقين المرشحين للتأهل من هذه المجموعة إلى الدور قبل النهائى. وخسر الفريق بصعوبة 3/4 أمام نظيره البرازيلى ثم فاز بجدارة على نظيره الإيطالى 1/صفر. ويبدو أن هذه الطريقة أصبحت أسلوباً دائماً للمنتخب المصرى بقيادة مديره الفنى الوطنى حسن شحاتة ومعاونه شوقى غريب المدرب العام للفريق، حيث اعتاد الفريق عدم النظر إلى المجموعة بكل فرقها بل النظر إلى كل مواجهة على حدة والتعامل معها على أنها مباراة نهائية. والمنتخب المصرى لم يعد كما كان حتى سنوات قليلة مضت، حيث اعتاد فى الماضى على اللعب مع المنتخبات الكبيرة سواء من داخل القارة السمراء أو من خارجها من أجل التمثيل المشرف، بينما يعتمد أسلوبه الحالى على اللعب من أجل الفوز بغض النظر عن هوية المنافس ومدى شهرته. ونفس الأسلوب سبق للمنتخب المصرى أن طبقه فى بطولتى كأس الأمم الأفريقية 2006 بمصر و2008 بغانا، حيث خاض البطولتين وهو ليس المرشح الأول للفوز بلقبيهما ولكنه نجح فى تحقيق اللقبين على عكس جميع التوقعات، وبعد أن تعامل مع كل مباراة وكأنها نهائى مبكر للبطولة. ويبدو أن المنتخب المصرى استفاد من فريق الأهلى المصرى فيما يتعلق بإحدى المميزات التى تتحلى بها الفرق الكبرى وهى البحث الدائم عن الفوز، بغض النظر عن إقامة المباراة على ملعبه أو خارجه، وهى الخاصية التى تحلى بها فريق الأهلى فى السنوات الأخيرة بقيادة مديره الفنى البرتغالى مانويل جوزيه قبل رحيل الأخير هذا الصيف إلى تدريب المنتخب الأنجولى. واعترف شوقى غريب فى المؤتمر الصحفى بعد فوز الفريق على المنتخب الإيطالى بأن تركيز الفريق يكون أكثر فى البطولات المجمعة، حيث يتجمع الفريق لفترة كافية ويستطيع الجهاز الفنى معالجة أى سلبيات من خلال تكثيف الجرعات التدريبية والمحاضرات الفنية والخططية والجلسات النفسية. وأضاف أن الجهاز الفنى لا يستطيع ذلك فى مباريات التصفيات حيث يتجمع الفريق لمدة أربعة أو خمسة أيام فقط قبل المباراة ومن ثم لا يستطيع الجهاز الفنى إخراج اللاعبين من أجواء التفكير فى ارتباطاتهم مع أنديتهم سواء المحلية أو الأفريقية، وبذلك يكون الإعداد النفسى والبدنى أقل. كما اعترف غريب بأن فريقه وصل إلى جنوب أفريقيا وهو يعانى من فقد الكثير من الدعم والمساندة الإعلامية والجماهيرية، بسبب الهزيمة التى منى بها الفريق أمام نظيره الجزائرى 1/3 فى التصفيات الأفريقية المؤهلة لنهائيات كأس العالم 2010 بجنوب أفريقيا، كما فقد الفريق فى البطولة الحالية عدداً من عناصره الأساسية ومنها خط هجوم كامل لغياب كل من أحمد حسام (ميدو) وعمرو زكى وعماد متعب. ولكن الفريق قدم فى البطولة الحالية ما يؤكد أنه يستطيع اللعب تحت الضغوط الكبيرة أفضل من اللعب وسط الترشيحات الكبيرة، خاصة أنه لم يحقق النجاح فى معظم البطولات الأفريقية التى خاضها بترشيحات قوية لإحراز لقبها. لم يعد أمام المنتخب المصرى سوى خطوة واحدة ليكتب سطراً جديداً فى كتيب الأسلوب المصرى فى التعامل مع البطولات الكبرى، لأن مجرد التأهل للدور قبل النهائى فى البطولة الحالية يعنى أن الفريق يسير على الطريق الصحيح عالمياً مثلما سبق وأن نجح أفريقياً.