على الرغم مما شكلته نتائج الانتخابات اللبنانية من مفاجأة لجميع المراقبين، حيث توقع الجميع فوز المعارضة بالانتخابات فإن النتائج النهائية أظهرت استمرار احتفاظ الموالاة بأكثرية المقاعد النيابية، بفارق ضئيل عن المعارضة، فى انتخابات شهدت نسبة إقبال تصل إلى 54% مما يدل على أهميتها الكبيرة بالنسبة للفرقاء اللبنانيين. ويرجع احتفاظ الأكثرية بأغلبيتها إلى العديد من الأسباب يأتى فى مقدمتها خسارة الجنرال عون القطب المسيحى الأكبر فى المعارضة، لبعض المقاعد التى كان تعتبر «مضمونة» له، خاصة أن جميع استطلاعات الرأى أكدت تفوق عون على منافسيه شعبيا. ويمكن إرجاع خسارة عون للانتخابات إلى العديد من الأسباب يأتى فى مقدمتها فشل تياره فى القيام بعمليات حشد قوية للمصوتين، مثل التى قام بها قطب الموالاة المسيحى وقائد القوات اللبنانية سمير جعجع، كما استعانت الموالاة بآلاف العائدين من الخارج خصيصا للتصويت لمصلحة الموالاة، حيث تحدثت التقارير عن توفير الموالاة لتذاكر الطيران لهؤلاء لمعرفتهم بميل غالبية المهاجرين والمغتربين للموالاة. ويأتى قانون الانتخابات اللبنانى كأحد الأسباب المهمة التى أدت لتفوق قوى الموالاة على المعارضة، حيث إن تقسيم الدوائر وفقا لهذا القانون يميل لمصلحة الموالاة، حيث يعطيها أغلبية فى عدد من الدوائر التى تميل عادة للمعارضة، كما أنه يجعل عمر الانتخاب فوق 21 عاما، مما يفقد حزب الله جزءا كبيرا من قوته التصويتية فوق 16 عاما، بالإضافة إلى أنه يزيد من أهمية الصوت المسيحى على حساب الصوت المسلم، حيث يمثل النائب المسلم ضعف عدد الناخبين الذى يمثله النائب المسيحى، فى ظل تقسيم مقاعد البرلمان بين المسيحيين والمسلمين مناصفة، بينما يبلغ عدد المسلمين فى لبنان حاليا حوالى ضعف عدد المسيحيين. وأكدت الانتخابات صعوبة ربح المعارضة اللبنانية للانتخابات فى ظل غياب قطب سنى مؤثر يدعم المعارضة، فى ظل سيطرة واضحة لتيار الحريرى على الساحة السنية فى لبنان، وإن كانت أكدت أيضا استحالة تحقيق الموالاة لأغلبية مريحة طالما بقى حزب الله وحركة أمل هما القوتان المهيمنتان على الساحة الشيعية. ويبدو أن فوز الموالاة لن يتيح لها تشكيل حكومة تستطيع العمل بحرية، بما قد يعود بالبلاد ثانية لدوامة الحديث عن الثلث المعطل والبحث الطويل وغير المجدى عن حكومة وحدة وطنية. ويبدو قول الكاتب الكبير ومراسل جريدة «الإندبندنت» البريطانية فى بيروت معبرا عن الحالة فى أعقاب الانتخابات اللبنانية بقوله: «إن لبنان لن تتحول إلى المحور السورى الإيرانى لكننا لن نراها أيضا دولة فى أحضان الغرب»، مشيرا إلى أن أمريكا كانت تريد فوزا «أوضح» لمعسكر الحريرى إلا أن هذا لم يحصل مما يحتم ضرورة العودة إلى شكل من أشكال الحوار اللبنانى. ولن يختلف الحوار اللبنانى المقبل عن سابقه، لأنه سيشمل مناقشة القضايا العالقة بين اللبنانيين وعلى رأسها سلاح حزب الله وعلاقات 14 آذار مع الخارج والعلاقات مع سوريا، وتبدو أزمة هذا الحوار أنه سيعيد اللبنانيين إلى قضايا صفرية بطبيعتها - أى قضايا لا يمكن التوصل لحلول وسط بشأنها - وقضايا أخرى يرفض كلا الجانبين أن يقدم أى تنازلات فيها. إذن فبفوز غير حاسم للموالاة «يبقى الوضع على ما هو عليه» فى لبنان، السلطة فى يد فريق بينما يمتلك الفريق الآخر قدرة تعطيل قدرة خصمه على استخدامها، والمناوشات غالبها خارج الإطار الرسمى وتعتمد على «الجماهير» و»الإعلام» ليبدو أن الانتخابات التى لقبها جميع المراقبون ب»الحاسمة» ألقت بلبنان فى دوامة الاختيار بين «التوافق» و»الصراع» وهما الخياران المتاحان أمام اللبنانيين قبل الانتخابات وبعدها.