هل جربت يومًا أن تقف أمام المرآة دون أن تنقب عن مواطن الجمال أو تحاول تجميل ما يمكن تجميله؟!.. هل قلت لنفسك ذات مرة «أنا وحش.. أنا لا أعمل.. أنا مهمل».. هل لديك شجاعة مواجهة الذات.. ولماذا نلقى بالمسؤولية دائمًا على الآخرين؟! لا نخفى عليكم أننا ترددنا كثيرًا قبل طرح هذه الأسئلة فى هذا العدد الخاص جدًا.. لاسيما أننا نحتفل معكم وبكم بمرور خمس سنوات على صدور صحيفتكم «المصرى اليوم».. فى البدء خشينا أن نغضبكم.. ولكننا أدركنا سريعًا أننا نتوجه دائمًا إلى قارئ محترم.. قارئ صعد ب«المصرى اليوم» إلى الصدارة بوعيه الناضج، وقبوله بالرأى والرأى الآخر.. قارئ احترمته الجريدة فاحترمها.. قارئ هو العنصر الأول فى نجاح وتفوق هذه التجربة.. فالكلمة الصادقة تكتسب احترامها من قارئها أكثر من كاتبها.. وبالتالى كان لابد أن نواجه أنفسنا لأول مرة: لماذا نحن هكذا؟! لا ننكر أن النظام الحاكم، بحزبه وحكومته، يتحمل الكثير من الأخطاء والخطايا.. ولكننا - قطعًا - شركاء.. هم مسؤولون عن الأوضاع الراهنة ونحن أيضًا.. القمع لا يجد سوقًا رائجة إلا بين المقهورين.. والاستبداد لا يعيش سوى بمباركة شعب خانع.. والثروة لا تتوحش إلا فى مجتمع يستمرئ الفقر والذل.. والجهل لا يسود إلا فى بيئة ترفض التعلم والمعرفة.. والجمال يتوارى فى عيون تستعذب القبح.. والأخلاق تنسحب من نفوس تعشق الصراع وتخضع ل«البلطجة».. والأحلام تستحيل حين يستكين المرء لمرارة الواقع ويلوذ إلى أمجاد الماضى التى لم يصنعها! لماذا نحن هكذا.. لماذا نرفض النظر فى المرآة.. لماذا يقول كل منا لنفسه وللآخرين «ليس أنا».. وكأن الأخطاء والخطايا يرتكبها مجتمع وهمى وأشخاص لا يتحركون بيننا؟! اقرأوا معى ما كتبه المؤرخ والمفكر العبقرى الراحل جمال حمدان فى «شخصية مصر» لتدركوا أننا لا نقرأ.. وإذا قرأنا لا نتعلم: «والحقيقة أن ابن مصر البار الغيور على أمه الكبرى إنما هو وحده الذى لصالحها ينقدها بقوة وقسوة، إذا لزم الأمر، وبلا مداراة أو مداورة، فصديقك من صدقك لا من صدّقَكْ، ومن يك حازماً فليقس أحياناً على من يرحم. بل إن هذا الكاتب ليؤمن إيماناً مطلقاً بأن مصر لن تتغير ولن تتطور أو تخرج من حمأتها التاريخية الراهنة إلا حين يأتيها المفكر والحاكم الصادق، كلاهما، مع نفسه، والجرىء مع جمهوره فيواجهه علناً بعيوبه بلا وجل ولا دجل. بالمقابل أو عن غير قصد بالطبع، قد يكون أعدى أعداء مصر هم بعض المصريين المتعصبين، أولئك الذين يدفنون، بإصرار، رؤوسهم فى الرمال ويتغابون أو يتغافلون عمداً عن عيوبنا، زاعمين باستمرار أن مصر أم الدنيا، وأنه ليس فى الإمكان أبدع مما هو كائن، متشنجين على كل مصرى ينقد مصر لصالحها ومتهمينه، بتعنت أو بتخابث، بعدم الولاء أو بالخيانة.. إلخ. نحن كشعب لا نحب فقط أن نمجد ونطرى أنفسنا بحق وبغير حق، ولكننا أيضاً نحب أن نسمع عن أنفسنا ما يرضينا ويعجبنا أو يرضى إعجابنا بذاتنا الوطنية وبشخصيتنا القومية، بل إننا لنكره أشد الكره أن نسمع عن عيوبنا وشوائبنا ونرفض بإباء أن نواجهها أو نواجه بها، ولا تكاد توجد فضيلة أو ميزة على وجه الأرض إلا وننسبها إلى أنفسنا ونلصقها بها، أيما رذيلة، أو عيب، فينا فلا محل لها من الإعراب أو الاعتراف، وإن اعترفنا بها على مضض واستثناء فلها عندنا العذر الجاهز والمبرر والحجة المقنعة أو المُقَنَّعة». هذا ما قاله جمال حمدان.. ولأننا أصدقاؤك.. اسمح لنا - أيها المواطن المحترم - أن نصدقك القول.. أن نواجه أنفسنا بعيوبنا.. وقطعًا لم ننس أننا جزء من هذا المجتمع، وشريك فاعل فى خطاياه. هذا العدد الخاص عنى وعنك وعنه.. لى ولك وله.. فإذا أصلحنا أنفسنا سوف ينصلح حال مصر.. ومن قبل ومن بعد.. سوف ينصلح حال الحاكم.. فالتغيير لا يهبط من السماء على «الصالونات المكيفة» ولا على «عشش الصفيح»! اقرأوا بموضوعية وهدوء.. وناقشونا.. وحاوروا أنفسكم لأن هذا الملف لم يغلق بعد! [email protected]