عندما يتحول كل جمال حولنا إلى قبح، وتتغير قبلتنا من البحث عن الجمال إلى البحث عن لقمة العيش، تعرف أنك مواطن مصرى يعيش فى الألفية الثالثة، هذا ما أكده بعض المواطنين الذين برروا ذلك بأن حب الجمال قد يكون رفاهية اختفت تحت مظلة الأزمة الاقتصادية والبحث عن مكان للسكن، فلم يجد بعضهم سوى العيش فى منزل من غرفة واحدة فى عشوائيات لا تعرف عن النظافة والجمال شيئاً، واستغل آخرون الأرصفة فى عمل جراجات يسترزقون منها بدلا من زراعتها بالأشجار، وتحولت المساحات الضيقة بين المنازل إلى ورش أو أكشاك صغيرة، حتى اختفت معالم الشارع والأرصفة. لم يجد مصطفى زغلول أحمد (23 عاماً) سبباً يبرر به عدم حب الجمال فى مصر سوى أنه لم يره قط، معللا ذلك قائلا: «من يوم ما شفت بلدى مشفتش فيه الجمال بمعناه المعروف، شفت قمامة على الأرصفة، وبيوت متهالكة آيلة للسقوط، ومدرسة كراسيها متكسرة، وفناء مدرسى يفتقد اللون الأخضر، فكيف أبحث عن الجمال وأنا لم أره، لو كنت تربيت على النظافة والجمال لحافظت عليهما»، على الجانب الآخر ذكر محمد سالم (31 عاماً) إن الجرى وراء لقمة العيش جعل أنظار الجميع مصوبة نحو المال، دون النظر حتى إلى جانبى الطريق بما فيه من لافتات تحذيرية ترفع شعار «حافظ على نظافة بلدك»، من خلال سلات القمامة أو غيرها، وأنا على سبيل المثال ليس لدى وقت سوى للبحث عن شقة أتزوج بها، دون النظر إلى مكان الشقة ونظافة الحى وجماله، المهم «أربع حيطان أتجوز فيهم وخلاص». وعلى الرغم من الواقع الذى رصده البعض، فإن هناك وجهة نظر أخرى أكدها الدكتور سمير غريب، رئيس جهاز التنسيق الحضارى، وهى أن المواطن المصرى بطبيعته حساس عاشق للجمال بفطرته، ولكن الظروف الاقتصادية والاجتماعية أثرت فيه بشكل سلبى حتى إنه أصبح مشغولاً بأمور أخرى تبعد كل البعد عن الجمال والنظافة، وأضاف «فى وقتنا الحاضر هناك أفراد لا تجد قوت يومها، ولا مسكن يأويهم وأسرهم، فيلجأون للمناطق العشوائية ذات الغرف الواحدة أو الشقق المشتركة بإمكانياتها الاقتصادية المحدودة، وكلها لا تسمح لهؤلاء الناس بالبحث عن أى شىء سوى الأكل والنوم». ومن بين المظاهر التى رصدها جهاز التنسيق الحضارى والتى تبعد عن الجمال والنظافة بشكل ملحوظ، قال غريب «انتقلت العشوائية إلى المناطق الراقية أيضاً، فتجد عمارات شكلها الظاهرى يوحى بالجمال، ولكن بمجرد أن تجد السيارات تملأ أرصفة الشوارع، دون وجود جراجات خاصة بها، تتحول النظرة من الجمال إلى القبح، والدليل على ذلك أن المارين فى تلك الشوارع ينشغلون بالمرور بين الطرقات الضيقة التى تفصل السيارات عن بعضها دون النظر إلى أى مظهر جمالى بالشارع، الأمر نفسه رصدناه فى محطة مصر وجراج رمسيس وغيرهما كلها أماكن فقدت معانى الجمال، ولم يلتفت الكثيرون لذلك، لأنهم مشغولون فى قضايا أهم وهى أكل العيش والبحث عن مأوى فقط». ويرى الدكتور أحمد زايد، أستاذ علم الاجتماع وعميد كلية الآداب جامعة عين شمس، أن افتقاد الجمال سُنة طبيعية لمرحلة لابد أن نمر بها، وأضاف «كل المجتمعات الطبيعية تمر بمراحل متغيرة تنقسم إلى تغيرات فردية وأخرى جماعية، الفرق الوحيد بين المجتمعات وبعضها هى طريقة هذا التغير، فى مصر حدث تغير عشوائى منذ أن زحف المهاجرون من الريف إلى العاصمة، لتبدأ مظاهر العشوائية فى بناء البيوت والغرف والمحال وغيرها، وكلها لم تنظر بأى اهتمام إلى الجمال قدر نظرها إلى لقمة العيش، وهو الأمر نفسه الذى أدى إلى تناقض واضح فى الأحياء، فهناك أماكن فاحشة الغناء والجمال، وأخرى فقيرة لا يعرف سكانها أى معانى للنظافة أو الجمال سوى من الناحية النظرية، ولكن هذا ليس لعيب فى المواطن المصرى، وإنما لأصول متأصلة فيه ولدتها ظروف مجتمعية أساسها العشوائية».