علامة التعجب بعد اسم العبقرى «يوسف شاهين» تثير الدهشة.. أقصدها مع سبق الإصرار والترصد.. فالفنان الكبير «يوسف شاهين» سيبقى حقيقة تستحق الاحترام والتقدير، فضلا عن الفخر بها.. لكننى أتذكره باعتباره رائدا فى التعبير عن ذاته، باللعثمة والكلمات غير المفهومة مع الجملة الغريبة.. هو كان الحقيقة الواضحة مهما عجز عن توضيحها بما يقول.. أعماله كانت تنوب عنه.. حمل الراية من بعده الفنان «خالد يوسف» المخرج المثير للجدل.. لا أقصد الحديث عن الأستاذ ولا تلميذه.. لكننى فى حالة تجعلنى قرينًا للراحل، وأحاول أن أكون قرينا لحامل الراية! حزين أنا – بكل غرور – كسائر المصريين.. فقد حزنت أمتى وتلبستها روحها الطيبة.. استعدنا كل خصالنا النبيلة.. أعلنا التمرد على أمراضنا النفسية.. فنحن سبب الداء وفينا الدواء.. دموع مصر ذرفتها على واحد من مواطنيها.. شاب جميل يحمل وجهه ابتسامة الوطن.. رحل فجأة فكانت الصدمة.. عرفه العالم.. لم يكن بطلا لأى أحداث.. كان عنوانا للبراءة والطفولة الواعدة مع فتوة الشباب.. «محمد علاء الدين مبارك» - لن أقول المرحوم - عنوان هو لمصر التى كنت أحلم بها – ومازلت – وتجسيد للحزن على الطفولة إذا سرقها الموت.. هل أقول عزاء وصبرا وسلوانا للأب والأم والجد والجدة والعم والخال وابن الخال وابن العم والأصدقاء.. أم أقول صبرا آل مصر فإن موعدكم القوة والمجد والرحمة والتراحم؟.. رحل الطفل البرىء، فمن مصر كان طفل عرفناه.. بسمة تصنع أملا لأمته.. «توت عنخ آمون».. وعلى أرض مصر صنع شاب فى مثل عمره ابتسامة المدن فى الدنيا، مدينة اسمها «الإسكندرية».. تلقيت خبر وفاة ابن مصر «محمد علاء الدين مبارك» شاخصا للجهة الأخرى من شاطئ المدينة التى بناها الإسكندر الأكبر وقد غادرنا فى سن الشباب.. تدوى فى أذنى الكلمات الأثيرة: «لا يأس مع الحياة ولا حياة مع اليأس» لقائلها ومعتنقها «مصطفى كامل» الزعيم الوطنى الرائع.. ثم مر شريط ذكريات، أطفال عاشوا، وأطفال رحلوا.. الإنسانية مع المنطق والقانون واليأس والرجاء.. المشاعر تصارع الواقع.. وتجرفنى الأمواج إلى صمت البحر الأبيض المتوسط. ساعات وصدر الحكم على رجل فقد عقله.. تمت إحالة أوراقه لفضيلة المفتى.. أعطته مصر كل مؤهلات النجاح والتفوق.. لم يفهم معنى العطاء.. خذلها.. لهث خلف غرائزه.. المتعة والانتقام ثم القتل.. لم تفهم الأمة.. تحزن على رحيل المستقبل الباسم والبسام.. أم تفرح أننا فى وطن قد يجامل، لكنه يرفض المساومة على معانى الحق والخير والجمال؟! يحدث هذا فى زمن يحكم مصر فيه المواطن «حسنى مبارك» المقاتل.. الإنسان.. بكت لأجله عيون الأمة.. نبكى مع الجد، ولأجله لأننا مصريون.. نبكى مع الجدة ولأجلها، لأننا مصريون.. نبكى مع الأب والأم ولأجلهما، لأننا مصريون.. نبكى مع العم ولأجله، لأننا مصريون.. نبكى رحيل الطفل، ولأجل أطفال مصر لأننا مصريون.. فهذه هى مصر التى تصارع كل التحديات.. تختلف مع بعضها.. تتحد عند الشدائد.. يبكيها كل ما تبكى لأجله الأمة.. تبنى لأجل الإنسانية.. تبقى خالدة خلود النيل والأهرام مع الحضارة التى قدمتها للإنسانية.. لا تبكى إذا سقط من أراد لنفسه أن يكون مجرما.. وللقضاء العادل كل الاحترام والتقدير على أنه يستعيد توازن الأمة، بإحالة أوراق كل قاتل لفضيلة المفتى.. هكذا أتذكر يوسف شاهين عندما تلعثم فأحسن التعبير.. وقد أكون دقيقا إذا قلت إن مصر مهما تلعثمت، ففى كل ما تفعل تعبير عن طبيعتها وحقيقتها.. أصحاب حضارة، لا فضل لأحد علينا فيها.. نتطلع للمستقبل بقلوب خاشعة، وعيون حزينة مع أسرة الرئيس «مبارك»، المقاتل الذى لا تهزمه حروب، ويجب أن تهزمه الأحزان فى لحظة الإنسانية وتذكر الله سبحانه وتعالى جلت قدرته.. وهذه مصر القادمة لتحدى ظروفها والدنيا.. فى زمن «حسنى مبارك»، الذى نعى ورعى «يوسف شاهين» بكل ما أبدعه – أمثاله وأقرانه - وسامحونى فى عجزى عن التعبير فى هذه اللحظة. [email protected]