القاهرة 1955 الطفلة تتبع والدها ببذلته العسكرية فى حديقة نادى الضباط بالزمالك، الأطفال يلعبون، والكبار يرتدون بذلات تشبه ما يلبسه الأب. على خشبة المسرح الكبير كان المطرب الأسمى يغنى للثورة وبطلها. نظرت الطفلة إلى ابتسامة الرجل ذى البذلة العسكرية المعلقة صوره فوق الأعمدة. دون أن تدرى، شعرت بشعاع من الشمس يتسلل ليدفئ براءة حلمها. القاهرة 1956 الأب يحمل طفلته بفخر، ويعرّفها على تمثال نهضة مصر. دمشق 1957 تحتشد الجماهير فى الطرقات. هتاف.. رقص وغناء. يلوّح بذراعيه كجناحى صقر حر. مينا موحد القطرين. قصر العظمة 1958 الطفلة ترتدى ثوباً من المخمل الأزرق، شعرها طويل كذيل الحصان الأسود تتقدم منه وتشبك أصابعها فى كفه، يضوى فلاش الكاميرا، وتبقى الصورة لزمن الأحفاد. العائلة: الخميس الأول من الشهر يتجمع رجالات وسيدات العائلة حول المذياع، الليلة هى ليلة كل المصريين وكل العرب، تكتسى الموائد بأطباق الطعام وأكواب الشراب، تسترق الطفلة السمع من خلف الأبواب يطربها الصوت الجميل وهو ينشد: «هجرتك ولسه فاكر» من ورائها يهتف العم والخال: «يا سلام يا ست»! بيتنا 1965 فى صباح شتوى مشمس، الوالد يمتثل للشفاء بعد مرض عارض، تأتى زيارتهم له بغير ترتيب مسبق. فى بيتنا ناصر وعامر والسادات، دخلوا على استحياء دون موكب من الحراس. فى مكان ما من وسط الحجرة وقفت الطفلة التى صارت صبية تنظر إلى عينيه السوداوين بلون طين بلدنا. حكمت أبوزيد الصبية تفرد ذراعيها لتدور وتدور مع قرص الشمس. أحلامها الفتية تناطح السحاب، اليوم وزيرة.. غداً رئيسة للجمهورية. لا قوة على الأرض تستطيع أن تحجب نور الفجر. السد العالى أطول من برج القاهرة قامات كل المصريين. التعليم كالماء والهواء نادى به عميد الأدب وقرره زعيم الأمة. الصبية تصفق، تحيا العدالة الاجتماعية. 9 يونيو 1967 الحلم يتكسر شظايا على أسفلت الطريق. الصبية تنحنى على ركبتيها تلملم بعض حطام الأشلاء من فوق الأرض المحترقة. لن يعيد البكاء ما ضاع.. ولن يفيد التنحى. ابق يا زعيم واترك الثأر علينا، المقاومة الشعبية، وحرب الاستنزاف. 28 سبتمبر 1970 الصبية تهب راكضة فى الطرقات المزدحمة.. بحر هائج من البشر يندفع كالطوفان من خليج إلى محيط الوطن العربى. اختفت سماء القاهرة وراء غلالة من الحزن الأسود. انشقت الأرض عن حفرة ضيقة، انهال التراب فوق التابوت. مات الزعيم الجسد.. عاش الزعيم الرمز... مصر 1971 مطرقة الهدم تبدأ مزاولة نشاطها بدأب من أواسط الهرم.. إلى أسفل القاع! [email protected]
