وهكذا سقطت السيول على سيناء وأسوان وعدد من محافظات الجمهورية ليتكرر سيناريو الفشل فى إدارة الأزمات من جديد.. فتقف الدولة فى حالة دهشة وعجز، فيما يتشرد المئات ويسقط العشرات صرعى تحت الأنقاض. وسيول 2010 ليست بكارثة مريعة، بمعنى أنها ليست زلزال هاييتى الذى حصد مائه ألف نفس، وشرد مئات الآلاف، وليست تسونامى إندونيسيا، والعياذ بالله، إنها بعض الأمطار التى هبطت بغزارة وكانت هناك توقعات من خبراء الأرصاد الجوية بحدوثها: يعنى منخفض جوى اصطدم بتيار هوائى قادم من وسط أوروبا وهكذا.. ظاهرة نعلمها للصغار فى الجغرافيا ونتوقع حدوثها فى مثل هذا الوقت، وفى الخريف من كل عام. لكن شعار حكومتنا الرشيدة «النظيفة» ومحلياتها: «بلاش تشاؤم إن شاء الله خير ولا تدهمنا السيول هذا العام». فيتم إهمال مخرات السيول (مصر بها 95 مخراً فى مختلف المحافظات) ويستخدم بعضها إما مقالب قمامة من قبل المواطنين أو يستولى على أرضها البعض ليقيموا عليها منازل لهم، وهكذا عندما تسقط الأمطار ولا تجد مجاريها الطبيعية فهى إما أن تبحث عن مجارٍ جديدة أو تهدم المنازل الهشة فى طريقها. والحكاية ليست جديدة.. فناهيك عن توقعات الأرصاد الجوية المتشائمة، وناهيك عن أن الدولة أنفقت الملايين فى أجهزة توقع للسيول (لا نعرف إن كان قد أصابها عطب أو أنها لا تعمل كما حدث مع أجهزة القطارات)، وناهيك عن أن مواعيد السيول ثابتة بقدرة الله لا تتغير، ناهيك عن كل ذلك. لكن المصيبة أننا لم نتعلم من كوارثنا. فقد تعرضت البلاد لسيول سابقة فى عامى 96 و98، لكن أخطرها كان عام 94، حيث اجتاحت الأمطار مدن صعيد مصر وأدت إلى تصدع المنازل وغرق الشوارع وبوار عدد كبير من الأفدنة الزراعية، إضافة إلى حريق قرية «الدرنكة» الشهير عندما اختلطت مياه الأمطار بمواد بترولية فى خزانات الجمعية التعاونية للبترول المقامة فى مخر السيول عند جبل أسيوط الغربى.. ذاك الحريق الذى كان بحق كارثة إنسانية أودت بعشرات الأسر وشردت المئات. طبعا خرجت بعدها خطط لمواجهة السيول، ولجان واجتماعات وتوصيات وخرائط وأكواد، وانتهى الأمر كما ينتهى كل شىء فى بلادنا «كلام.. كلام.. كلام». بالتأكيد المواطن الذى بنى على أراضى المخرات مسؤول.. لكن أين هى الدولة، وأين المحليات التى تتركه يفعل ذلك؟ هل كان لهذا المواطن سكن آخر لكنه فضل أرض المخرات؟ كيف نترك المخرات تتحول إلى مقالب قمامة؟ هل هناك محليات تزيل القمامة، أم أن القمامة لم تجد مكانا لها سوى مخرات السيول؟ إن العشوائيات هى سرطان مصر الأول.. يكبر ويستفحل.. يدمر هنا ويشوه هناك.. وفى هذه الحالة يسد مخرات السيول ليشرد المئات.. ثم نقول إنها كارثة طبيعية.. عفوا إنه الفساد.. كارثة مصرية أصيلة.