عرض وفد لجنة الحريات الدينية الأمريكى خلال زيارته الأخيرة لمصر.. شكاوى من قبل «أقباط المهجر»، تتهم الدولة ب«تمييع» قضية أحداث نجع حمادى، واعتبر أن الدولة تكتفى فى مثل هذه الحوادث ب«الصلح العرفى» ولا تعترف بوجود مشكلة حقيقية، الأمر الذى يؤدى إلى تكرارها. وفى المقابل أعلن نائب رئيس المجلس القومى لحقوق الإنسان أن مصر لديها «ظرف معقد»، إذ ثمة محاولات «للتقليل من دورها فى المنطقة»، وأضاف: أكدت للوفد أن القضية فيها خطوط حمراء تفرض على المسلمين والمسيحيين عدم إصدار تصريحات أو اتخاذ إجراءات أو مواقف تزيد من التوتر والعنف. من جهتى، أرى أن المشكلة أكبر من أن يحسمها «وفد» ترأسه سيدة، هى فى الأساس عضو فيما يسمى «اللجنة اليهودية الأمريكية»، التى تمثل أبرز المنظمات المدافعة عن إسرائيل فى الولاياتالمتحدة، وأقل من أن يراها مسؤول فى «مجلس حقوق الإنسان» المصرى موضوعاً سيادياً. لكننى لا أفهم فى الحقيقة ما الذى يريده أقباط المهجر بالضبط؟ لا أفهم لماذا «هاجروا» أصلاً، ولماذا تركوا بلدهم وإخوتهم فى الدين واكتفوا ب«نضال المنتديات»، وبالتحالفات المشبوهة؟ لماذا لا يعودون إلى مصر ويشكلون مثلاً كتائب وميليشيات ل«إنقاذ» الأقباط قبل أن يتحولوا إلى وقود لمحرقة إسلامية يعتقدون أنها أصبحت وشيكة؟ ما من حادثة تصادم بين المسلمين والأقباط إلا وانتفضوا، حتى لو كانت المسألة خلافاً على «دكر بط» أو «ظل نخلة»!. وما من لجنة أو وفد أو مبعوث شخصى أوروبى أو أمريكى يأتى إلى مصر للتحرى عن وضع الأقباط إلا حملوه شكاوى واتهامات للدولة بأنها مسؤولة ومتقاعسة ومتواطئة!، لماذا؟.. لا أعرف! هل يريدون مثلاً إسقاط نظام الحكم، لأنه «عادل وشريف وديمقراطى» فى كل شىء ما عدا موضوع الأقباط؟، هل يريدون رئيساً قبطياً من كل ستة رؤساء لمصر؟ هل يعتقدون أن حصة الأقباط من «لحم الدولة» بفرض أن لدينا دولة من لحم ودم أقل من وزنهم السياسى والاقتصادى والاجتماعى؟. لا أعرف ماذا يريد أقباط المهجر بالضبط.. اللهم إلا إذا كانت «قلقلة» البلد جزءاً من «استقرارهم» فى منفاهم البعيد الهادئ، أو إذا كان صقيع أوروبا وأمريكا قد اشتد عليهم فلم يعد أمامهم سوى «حرق» وطنهم الأم.. ليستدفئوا! لا أريد أن أسميها «خيانة»، ولا أريد أن أصادر حق أقباط المهجر فى طرح حلول لمشكلة أقباط المنبع، لكنهم مع الأسف يريدونها «حرباً مقدسة».. يعرفون أكثر من غيرهم أن مصر بأقباطها ومسلميها ستكون الخاسر الوحيد فيها! لم يحدث أن حدد أقباط المهجر هدفاً استراتيجياً أو أفقاً سياسياً واجتماعياً لحربهم تلك، وليس ثمة أدوات ولا أبطال ولا خطط ولا يحزنون! هم فقط يتهمون الدولة بالتقصير والتواطؤ، وكأن هناك دولة بحق حلت كل مشاكل رعاياها ولم يبق سوى مشكلة الأقباط! الدولة وأكرر: بفرض أنها موجودة! لا تحل مشاكل أحد، لأنها مشغولة فقط بتأمين بقاء رئيسها فى سدة الحكم، وتأمين كعكتها لرجال الرئيس، و«يولع الأقباط على المسلمين». فكل الكتب والمراجع تجزم بأن ما من فترة سيطر فيها ضيق الأفق والتعصب على علاقة عنصرى الأمة، إلا وكانت فترة انحطاط سياسى واجتماعى واقتصادى: حدث ذلك أيام حكم المماليك عندما كان سلاطينهم يحاولون استرضاء بعض العلماء المسلمين وتملق مشاعر العامة والدهماء، وحدث فى مطلع القرن العشرين، عندما سعى اللورد كرومر إلى إشعال فتيل الفتنة بهدف ضرب الحركة الوطنية، وحدث فى السبعينيات.. عندما اعتقد الرئيس السادات أن إثارة النعرة الطائفية ستساهم فى تثبيت دعائم حكمه، فكان أول ضحية لهذه اللعبة. هل الأقباط مضطهدون؟. نعم ولا: نعم.. لأن الشعور بالاضطهاد «فيروس كامن» منذ حكم الرومان مصر، ينشط كما قلت آنفاً فى فترات انحطاط الدولة. ولا.. لأن مصر تشبههم، ولأن جوهرها من جوهرهم، ولم يحدث مرة أن تمثلت مستعمراً على كثرة مستعمريها.