أعلن تيرى جونز أسقف كنيسة بولاية فلوريدا بأنه سيحرق بعض نسخ من المصحف يوم السبت الحادى عشر من سبتمبر فى ذكرى أحداث سبتمبر عام 2001، وسواء نفذ تهديده أو لم ينفذه، فإن هذا الإعلان الآثم هو ما يؤكد لدينا أن الكثيرين من رجال الدين يعتقدون أن إيمانهم يلزمهم بإعلان الحرب على المخالفين لهم فىالدين أو المذهب أو العرق، أو التحقير من هذا الدين أو ذاك حتى لو كان بحرق الكتاب المقدس الذى يدين به كثير من البشر، والخطير فى كل ذلك أن يصل المؤمن المتعصب للحكم، فإنه يشن الحرب بناء على إيمانه المتعصب، ذلك أن التعصب سرى إليهم دون أن يدركوا عواقب ما يفعلون ودون أن يردعهم دين المسيح عليه السلام الذى يبشر بالمحبة ويرفض العدوان حتى مع الأعداء، ولذلك فإن معظم من يشنون الحروب ويسفكون الدماء من المتدينين المتعصبين، هل نذكر ما فعله الصرب المتعصبون، عندما وصل للحكم متعصب مهووس هو سلوبودان ميلوسوفيتش، ومعه مؤمن إرهابى آخر هو داروفان كاراديتش عندما أقاما المذابح للمسلمين فىالبوسنة وأقاموا مجزرة سربرينيتشا فى أواسط التسعينيات، ولماذا نذهب بعيدا؟! فإن الرئيس الأمريكى الأسبق جورج بوش الابن آخر وخير مثال على ذلك، فقد أعلن فى زلة لسانه أن الحروب الصليبية لم تنته، ثم زعم أنه سمع صوتا أو وحيا أو هاتفا يدعوه لتحرير العراق، وهو ادعاء دينى متعصب مهووس، فالذى دعاه ومعه فى إدارته السابقة كل الأصوليين اليمينيين المتطرفين للحرب على العراق هو تدميره لصالح الدولة العبرية ومن أجل بتروله أيضا، وهذا ما يعلمه كل إنسان فىكل العالم، وفى كل الأحوال فإن تلك الادعاءات الأمريكية التى جاء بها جورج بوش هى لأسباب سياسية بحتة ليس لها علاقة بأى دين من الأديان، ولا تمت لأى خلق أو ضمير إنسانى، خاصة أن كل مزاعمه حول امتلاك العراق لأسلحة كيماوية هى ادعاءات سياسية كاذبة، ولكن تم تسخير دين المسيح لتبرير الحرب على العراق، ومازالت تلك التبريرات المتعصبة هىالتى تحكم عالم اليوم، وتأتى الدعوة لحرق نسخ من القرآن الكريم فى هذا الاتجاه، فالقس الأمريكى يريد الانتقام من الإسلام كدين بسبب مجموعة إسلامية مؤمنة إيمانا متعصبا متطرفا قامت بالهجوم على برجى التجارة فقتلت من قتلت من الأبرياء، وزعمت أن الله قسم العالم بين فسطاطين للإيمان والكفر، وأن الله طلب منهم أن يحارب فسطاط الإيمان فسطاط الكفر وأن كل من يقتلهم هم من الأعداء حتى لو كانوا مدنيين، لم يكلف القس الأمريكى نفسه بالبحث والتقصى فى الإسلام ذاته ونصوصه المقدسة الداعية للسلام بين البشر، وسلوك الأغلبية العظمى من المسلمين المتسامحين، كما لم يدرك أن تنظيم القاعدة وكل التنظيمات المسلحة تقتل المسلمين أنفسهم قبل أن تقتل غير المسلمين، وميراثهم المتطرف ضد المسلمين معلوم للجميع، ولكن ذلك القس اعتبر كل المسلمين جميعا ودينهم من الأعداء، الذين يجب عليه محاربتهم وقتلهم وتشويه صورتهم، وفىالجانب المقابل فإن الدعوات الإسلامية المؤمنة المتعصبة وضعت كل الأمريكيين فى خانة الأعداء، وهددوا بالانتقام من كل ما هو أمريكى، رغم أن الرئيس الأمريكى نفسه أدان هذا الفعل الإجرامى ومعه أغلبية الشعب الأمريكى من معظم التيارات، ولذلك فإن على رجال الدين الإسلامى ورجال السياسة والفكر أن ينبهوا المسلمين إلى أن من أعلنه القس الأمريكى المتطرف لا يمثل الأمريكان ولا يمثل المسيحيين، فضلا عن الدين المسيحى نفسه، وأن الرد على ما يقوم به أمثال هؤلاء الغلاة هو أن تسود روح الإسلام المتسامح نفسه بين المسلمين، وأن يعلن المسلمون الحرب على الاستبداد السياسىالذى يقوم به حكام المسلمين ضد شعوبهم، ولنعلم جيدا أن المتطرفين المسلمين هم أول من يشوهوا صورة الإسلام الحنيف، ولنعلم جيدا أيضا أن الرسام الدانمركى الذى رسم الرسول، لم يرسم الرسول نفسه لأنه لم يره، ولم يره أحد غيره، ولكنه رسم صورة متطرف إسلامى بلحية كثة كئيبة وجلباب قصير، وهى الصورة التى روجها المتطرفون وقدموها إعلانا لصورة المسلم، والمسلمون والإسلام من كل ذلك براء.