كنت أعرف الراحل الكبير محمود عبدالمنعم مراد، وكان كاتباً شريفاً، وكان إنساناً من الصعب أن تقع له على مثيل، وفى مكتبه الخاص فى شارع صبرى أبوعلم بوسط البلد، كنت أحرص مع الراحل النبيل مجدى مهنا على أن يكون لنا لقاء أسبوعى منتظم، لم نتخلف عنه لسنوات، إلا لظرف قاهر! وهناك كان يأتى كثيرون، وزراء، ومسؤولون كبار، وصحفيون، وأصدقاء بلا عدد من الشخصيات العامة، وكان المكتب الخاص أقرب ما يكون إلى حديقة الهايد بارك فى لندن، حيث يقول كل واحد ما يشاء! وذات مرة، رأيت هناك الأستاذة مى عزام، وكان متحمساً لها، وكان يراها صحفية متميزة، ونادرة، وكان يتمنى لو كتب عنها وهو ما حدث فعلاً، حين صدر لها كتاب ذات يوم! ثم مرت أيام كثيرة، وبعد الأيام شهور وسنوات، إلى أن رأيت اسمها على صفحة «هى» فى «المصرى اليوم»، وكانت الصفحة بمحتواها الذى يخاطب المرأة، تجسيداً للمهارة الصحفية التى كان الأستاذ مراد يراها فى مى عزام! ومع الوقت، كبرت الصفحة، وتحولت إلى ملحق يصدر مع الصحيفة، صباح كل جمعة، تحت عنوان «طعم البيوت»، وهو ملحق شديد الجاذبية، وفيه من خفة الدم بقدر ما فيه من الجدية، والرغبة فى أن تتحول بيوتنا من بيوت عادية إلى بيوت لها طعم، ولها مذاق، وفيها حلاوة معها راحة! واستطاعت مى، مع فريق عمل ممتاز، أن تصنع ملحقاً يغريك بقراءته من الجلدة إلى الجلدة، ولو أنك عدت إلى آخر ملحق، فسوف لا تغادره حتى تكون قد التهمته كلمة كلمة، وحتى تكون قد خرجت من التجوال بين موضوعاته بقدر هائل من المتعة والفائدة معاً، وإذا كان قد فاتك أن تتوقف عنده من قبل، فأرجو ألا يفوتك فيما بعد، ففيه الكثير مما تريده فى حياتك وتسعى إليه! وقد كانت، صباح أمس الأول، تنصح ربات البيوت بألا يتخلصن من الزجاجات الفارغة، وأن يعملن على تحويلها إلى قطع من الديكور فى كل ركن، وهى فكرة بديعة نتمنى لو أن كل ربة بيت أخذت بها، لتضيف جمالاً إلى بيتها، وتخفف من وطأة قمامة الشوارع قدر الإمكان! وحين كنت فى الدنمارك من عدة سنوات، رأيت، وقتها، كيف أن محال السوبر ماركت تسترد العبوات الزجاجية الفارغة، من مستهلكيها، وتعطيهم ثمنها، وهو ما يحقق فائدة مزدوجة، مرة بالتخلص الآمن منها، ومرة بإعادة استخدامها، بدلاً من أن تتحول إلى أكوام من الزبالة فى عرض الشارع، نخوض فيها فى الذهاب، وفى الإياب! وربما يكون من المحزن أننا نتكلم، الآن، فى نظافة الشوارع، وهى مسألة المفروض أنها بديهية، وأننا تجاوزناها من زمان، ولكن هذا لن يحدث إلا إذا تحولت النظافة إلى «ثقافة» تجرى مع دم كل إنسان، وتكون حاضرة فى قلبه، وعقله، ووجدانه، وربما يكون أخطر ما نراه، فى هذه اللحظة أن كثيرين بيننا يتعايشون مع القمامة، ولا يرون فى القذارة حولهم شيئاً يخرق العين، فيمرون عليها دون أدنى إحساس بالذنب، ودون أن يتوجع فى أعماقهم ضمير!