هناك حالة من «الاستنطاع» لا مثيل لها فى قضية التطبيع، فالمطبعون يعرفون أنهم يرتكبون جريمة فى حق أوطانهم، لكنهم يتبجحون ويتجاوزون كل الأعراف حين يلجأون للمحاكم للقصاص من منتقديهم، كأنهم بجرائمهم يريدون تصفيقا وإشادة بما أننا بلد الإشادات. المطبعون نوع من البشر يقتل القتيل ويمشى فى جنازته، يتحدثون عن الكيان الإسرائيلى باعتباره جارا متحضرا ومتقدما، ويجب أن نستفيد من تحضره وتقدمه، بالتقرب منه ومصاحبته فى الشوارع والمؤسسات دون أن يلتفتوا لشلالات الدماء التى حفرها فى الأرض العربية. هؤلاء يتحججون بعدم وجود مفهوم واضح لمصطلح التطبيع، وعدم التفريق بين لقاءات العمل ولقاءات الفنادق والمقاهى. ولا أظن أن التطبيع يحتاج مواصفات مثلما لا تحتاج الوطنية إلى مقاييس أو معايير، الاثنان فى طريقين متوازيين، لا يلتقيان أبدا. التطبيع مع إسرائيل خيانة ولا تفسير آخر، ولا يقل بأى حال من الأحوال عن جريمة التخابر مع العدو، وإسرائيل أكثر من عدو، لأنها ترتكب من الجرائم والمذابح ما يجعل بيننا وبينها حاجزا لا تزيله الشعارات ولا تحطمه الأوهام. إسرائيل ارتكبت أبشع جرائم الحروب ضد الفلسطينيين، ومن قبل ضد المصريين والسوريين واللبنانيين.. إسرائيل لا تتعامل مع مصر على أنها جارة مسالمة، بل باعتبارها عدوا تعترض على تسلحه، وتكره تقدمه وتحارب نجاحه. إسرائيل تباهى بجرائمها ضد الأسرى المصريين، وتباهى أكثر بأن أحدا لم يحاسبها. التطبيع إحدى أهم أدوات المفاوض العربى، يستخدمها فى كل جولات التفاوض ويعتبرها ورقة ضغط، فماذا لو فقدها بسبب مجموعة من الذين يقتاتون على حكايات التطبيع، بعد أن انكشفت وجوههم وسقطت عنهم أوراق التوت؟ ثم إن هذه الورقة لا أحد يعرف كيف يستخدمها هؤلاء من دون رقابة، ولا أحد يعرف ما الذى يجرى خلف ستار اللقاءات والندوات، ولا أحد يعرف ما هى الأهداف الحقيقية وراء قيام أفراد لا قيمة لهم فى المجتمع بجر مؤسسات مهمة لوحل التطبيع، ولا أحد يفهم لماذا هم يقومون بهذا العمل، الذى ظاهره التطوع وباطنه مخيف! المدهش أن معظم المطبعين والداعين له من نوعية سطحية، تبحث لنفسها عن مكان وشهرة، فلم تجد غير أحضان العدو لترمى بنفسها فيه، وحين لفظها حضنه تمرغت فى ترابه. وإذا نظرت إلى أى شخص من المطبعين ستجده من النوع المنسحق والباحث عن دور بأى ثمن، وبأى وسيلة. وأنا لم أندهش عندما سمعت أن « هالة مصطفى» تقدمت ببلاغ للنائب العام ضد ثلاثة كتاب من الذين انتقدوها على فعلتها، وكأنها كانت تريد تحية لاستقبالها السفير الإسرائيلى فى واحدة من أعرق مؤسسات الفكر فى العالم العربى، وكأنها كانت تريد المديح لأنها أدخلت سفير العدو أمام أعين الغاضبين مؤسسة الأهرام، متحججة بأن رئيس مجلس الإدارة الحالى كثيرا ما استقبل إسرائيليين، منهم السفير الحالى داخل المؤسسة، وطبعا رئيس مجلس الإدارة لم يرد. «هالة» التى لم يسمع بها أحد إلا فى معارك دعائية ووهمية سواء فى حزبها أو مع أصدقائها الإسرائيليين، لم تكن تريد الذهاب للتحقيق فى نقابة الصحفيين إلا بعد أن أقنعها مكرم محمد أحمد بالذهاب، وصرح بعدها بأن الذين يطالبون بفصل «هالة» من عضوية النقابة «واهمون». هكذا كان نقيب الصحفيين أحد المدافعين عن «هالة»، ومن قبل اعتبر قرار الجمعية العمومية الرافض التطبيع «جائراً»، قال هذا وهو يستعد لجولة ثانية من انتخابات نقابة الصحفيين. وإذا كانت «هالة» وجدت شيخ الصحفيين مدافعا، فلماذا تقدمت ببلاغ؟ مؤكد لكى تقف أمام الكاميرات وتعطى المزيد من التصريحات.. وكلها شهرة مجانية.