إذا كان لنا أن نشكر د. محمد البرادعى على شىء، فعلينا أن نشكره على تحريك المياه السياسية الراكدة.. وعلى تحفيز هذه الكتيبة من زملائنا الكتاب– من معه ومن ضده– لإعادة الحوار حول الأمر الأهم: الدستور. الآن وليس غدا علينا أن نفتح قضية الدستور من جديد.. الآن وليس غدا علينا أن نطالب بكل قوة وبكل عناد وبكل صخب بإعادة النظر فى عدد من مواد الدستور قبيل الانتخابات القادمة .. الآن وليس غدا علينا أن نطالب ونصر ونصمم أن يكون لدينا دستور يعبر عن «دولة مدنية حديثة تقوم على الاعتدال والحكم الرشيد، دستور يوازن بين السلطات ويقوم على قناعة أن الدين لله والوطن للجميع ويمكن الشعب فى ظل أطر سياسية واقتصادية واجتماعية عادلة» وماذا قال البرادعى غير ذلك؟! الآن يجب أن نفتح الحوار من جديد: هل لدينا شك- أغلبية ومعارضة- فى أن بعض مواد الدستور الحالى مواد معيبة.. بها من الخلل ما يمنع من ممارسة الحياة السياسية ويقف عائقا أمام عدالة المنافسة؟! هل لدينا شك- أغلبية ومعارضة– فى أننا نتحدث عن المواطنة ولا نجد لها تطبيقا داخل الدستور؟.. هل لدينا شك فى أن تغيير المادتين 76 و77 من القضايا الأساسية والحيوية مهما زايدنا على بعضنا البعض؟ أرجوكم انسوا قليلا المنصب وصاحبه.. وتذكروا كثيرا هذا الوطن ومستقبله. كيف نبنى مستقبلا يقوم على دستور يضيق الترشح الرئاسى على أحزاب المعارضة (المفككة والمعاقبة أصلا) بينما يمنع بشكل قاطع أى ترشيح من المستقلين؟! كلنا يعرف ذلك.. وكلنا يعرف أهدافه ومسبباته (سواء كانت منطقية أو غير منطقية).. وإذا كانت تلك العوائق موجودة فى دساتير العالم خاصة أمام المستقلين من المرشحين فهى عوائق وليست «موانع». وكيف نبنى مستقبلا بمادة دستورية تسمح للرئيس بأن يرشح نفسه لدورات أو لمدد غير مقيدة، فهل نحن واثقون ممن سيأتى بعد الرئيس مبارك هذه الثقة العمياء كى نوليه علينا وعلى أولادنا مدى العمر؟ أرجوكم قفوا لحظة صدق مع أنفسكم.. انسوا البرادعى قليلا وتذكروا الوطن كثيرا. وماذا عن المادة الثانية وغياب الرقابة القضائية على الانتخابات.. جميعها أشياء لابد أن تفتح من جديد مساحة للنقاش.. النقاش الحقيقى وليس التعديل بين ليلة وضحاها، كما حدث فى المرة السابقة. إن الدستور ليس قرآنا منزلا.. لا يمكن الاقتراب منه بالتعديل أو التغيير.. بل هو إطار عام لحياة وطن ومستقبله.. وهو قابل للتعديل طبقا لمجريات الحداثة والتغيير.. لا نقول يعدل كلما عنّ شىء، أو كلما تبدلت الأمور.. ولكن أن نعيش فى ظل تُعّديلات معيبة مانعة غير محترفة تعطل الحياة السياسية وتصيبها فى مقتل.. فهذا ما يجب أن نقف جميعا أمامه وضده. لقد نجح البرادعى بتصريحاته مرة أخرى فى فتح ملف الدستور.. فثار من ثار وأيد من أيد، ولكن المهم هنا هو قناعاتنا، المهم هنا أن نبدأ فى حملة لإعادة تعديل الدستور.. وهو ممكن.. صدقونى ممكن. أرجوكم لا تنتظروا قرار الرئيس.. بل طالبوا الرئيس.. أقنعوه بكل الحجج.. فهو يستمع لرأى الجماعة المخلصة، الآن وليس غدا. ومرة أخرى.. اختلفوا من أجل الوطن وليس من أجل من سيجلس على المقعد.