يحدث فى الولاياتالمتحدة، حالياً، ما يشبه الانقلاب على أفكار ومعتقدات سادت لفترات طويلة، داخل أمريكا وخارجها، دون أن يحاول أحد اختبار مدى صحتها! فقد ساد الاعتقاد طويلاً، بأن تحسن أحوال الناس، بوجه عام، يؤدى إلى تراجع معدل الجرائم، بمختلف أنواعها، ثم ثبت فى عام 2009، أن الحقيقة هى العكس، بمعنى أن الأمن كلما تحقق بين الناس، وكلما أحسوا بالأمان فى حياتهم، ارتفع مؤشر الاقتصاد، بما ينقل مستوى حياة كل فرد إلى الأفضل!.. وهو، كما ترى، انقلاب كامل على كل ما كنا قد عشنا نعتقد فيه من زمان! فليس سراً أن عام 2009 كان هو الأسوأ، من الناحية الاقتصادية، مقارنة بأعوام كثيرة سابقة، على امتداد الولاياتالأمريكية الخمسين، ورغم ذلك، فإن الأرقام عن معدلات الجرائم، مدهشة، بل ومذهلة! ففى مدينة لوس أنجلوس، على سبيل المثال، وهى كبرى مدن ولاية كاليفورنيا، كبرى الولاياتالأمريكية، اتضح أن معدل جرائم القتل، فى العام الماضى، انخفض بنسبة 17٪، وجرائم العنف 10٪، وجرائم السرقة 8٪، وجرائم سرقة السيارات 20٪!.. لا لشىء، إلا ليقظة الأمن الفائقة، وقدرته على الوصول لموقع أى حدث، فى لحظة! وقد حدث هذا، رغم أن معدل البطالة فى المدينة، بل وفى الولاية ذاتها، وصل إلى 12.5٪، وهو معدل مرتفع جداً طبعاً، بحكم تداعيات الأزمة المالية العالمية على الولاياتالمتحدة كلها، بما جعل العام الماضى عاماً صعباً عليهم، وكان المتوقع، بالتالى، وفى ظل ظروف اقتصادية صعبة من هذا النوع، أن يرتفع معدل الجرائم، وأن يتضاعف، فحدث العكس، إلى حد أصبح معه المعنيون بالأمر عندهم، على كل مستوى، مرغمين على مراجعة كل ما كانوا قد استقروا عليه من قبل، فى العلاقة الطردية الشهيرة بين الفقر والجريمة، فإذا بها للمرة الأولى، علاقة عكسية، تجعل الأمن سابقاً على كل شىء، وتجعله، حين يتوفر، داعياً إلى تحقيق الرخاء الاقتصادى، وطريقاً إلى تسجيل معدلات رخاء أعلى! والشىء الغريب أن انقلاباً كهذا، لم يحدث على مستوى كاليفورنيا، أو حتى لوس أنجلوس وحدها، وإنما امتد إلى نيويورك التى انخفض معدل جرائم القتل فيها، فى العام ذاته، بنسبة 19٪ وهو أكبر انخفاض من نوعه تشهده نيويورك، كولاية، منذ عام 1963.. ليس هذا فقط، وإنما وجد القائمون على أمر نيويورك، أنهم مضطرون إلى تفسير ما كان قد مر بالولاية من قبل، بأثر رجعى، وراحوا يتذكرون الآن.. والآن فقط.. أن الانتعاشة الاقتصادية التى كانت قد شهدتها نيويورك عام 1990، لم تكن هى السبب فى شيوع الأمن فيها، فى ذلك الوقت، وإنما العكس كان صحيحاً، وهو أن الأمن كان فى ذلك العام، قد توافر للناس هناك، بشكل غير مسبوق، فأدى على الفور، إلى تحقيق تحسن ملحوظ بالعين المجردة، فى حياة كل أمريكى كان يعيش فى الولاية وقتها! ولسنا فى حاجة إلى الإشارة إلى أن هناك ارتباطاً مباشراً بين اتجاه الاستثمار، فى أى مجال، نحو أى بلد، وبين مدى توافر الأمن فيه، بهذه الدرجة، التى تدعو إلى الاطمئنان!.. اطمئنان المستثمر وهو يأتى، ثم يعمل! نحن مدعوون، بقوة، إلى مراجعة ما كنا نعتقده، فى هذا الاتجاه!!