المحطات النووية تدعو أوائل كليات الهندسة لندوة تعريفية عن مشروع الضبعة النووي    محافظ كفر الشيخ يوقف موكبه لتحية أحد عمال النظافة    نائب محافظ قنا: مبادرة «بداية جديدة لبناء الإنسان» تعزز مقومات التنمية الشاملة    مصر تعرب عن قلقها البالغ إزاء التطورات في جنوب لبنان    مراسلة القاهرة الإخبارية: انتهاكات الاحتلال لا تتوقف في الضفة الغربية    رامي ربيعة: الفوز بالبطولات ثقافة متوارثة في الأهلي    التحفظ على سائق تريلا دهس سيارة سوزوكي بالبدرشين    ضبط تشكيل عصابي بحوزته تمثال أثري بالشيخ زايد    إسعاد يونس تقدم أغاني مسلسل «تيتا زوزو»    تجديد الثقة للمخرج مسعد فودة رئيسًا لاتحاد الفنانين العرب بالتزكية    قناة «أغاني قرآنية».. عميد «أصول الدين» السابق يكشف حكم سماع القرآن مصحوبًا بالموسيقى    أحمد سعد يكشف ل اليوم السابع حقيقة عودته لزوجته علياء بسيونى    بث مباشر.. الأهلي يتسلم درع الدوري المصري الممتاز 2023/24 (صور وفيديو)    موسم شتوي كامل العدد بفنادق الغردقة.. «ألمانيا والتشيك» في المقدمة    "علم الأجنة وتقنيات الحقن المجهري" .. مؤتمر علمي بنقابة المعلمين بالدقهلية    تعرف على أهداف منتدى شباب العالم وأهم محاوره    ستيفان دوجاريك: جوتيريش يحذر من أي تصعيد يهدد باتساع الصراع بدارفور    ريال مدريد ضد إسبانيول.. مبابى يقود الهجوم وفينيسيوس على مقاعد البدلاء    إسماعيل الليثي يكشف سبب وفاة نجله «رضا» | خاص    فصائل فلسطينية: استهداف منزلين بداخلهما عدد من الجنود الإسرائيليين ب4 قذائف    حزب المؤتمر: منتدى شباب العالم منصة دولية رائدة لتمكين الشباب    الحكومة تكشف مفاجأة عن قيمة تصدير الأدوية وموعد انتهاء أزمة النقص (فيديو)    تدشين أول مجلس استشاري تكنولوجي للصناعة والصحة    بلقاء ممثلي الكنائس الأرثوذكسية في العالم.. البابا تواضروس راعي الوحدة والاتحاد بين الكنائس    هل يمكن أن يصل سعر الدولار إلى 10 جنيهات؟.. رئيس البنك الأهلي يجيب    بيكو للأجهزة المنزلية تفتتح المجمع الصناعي الأول في مصر باستثمارات 110 ملايين دولار    السجن 6 أشهر لعامل هتك عرض طالبة في الوايلي    عبدالرحيم علي ينعى الشاعر أشرف أمين    إيطاليا تعلن حالة الطوارئ في منطقتين بسبب الفيضانات    ندوات توعوية فى مجمعات الخدمات الحكومية بقرى حياة كريمة في الأقصر.. صور    حمو بيكا يعلن وفاة نجل إسماعيل الليثي    كاتبة لبنانية لإكسترا نيوز: 100 غارة إسرائيلية على جنوب لبنان وهناك حالة توتر    شروط التحويل بين الكليات بعد غلق باب تقليل الاغتراب    فتح باب التقديم بمسابقة بورسعيد الدولية لحفظ القرآن الكريم والابتهال الدينى    لافروف: الديمقراطية على الطريقة الأمريكية هي اختراع خاص بالأمريكيين    وكيل صحة شمال سيناء يتفقد مستشفى الشيخ زويد المركزى ووحدات الرعاية    إصابة 3 أشخاص في حادث تصادم «توك توك» بدراجة نارية بالدقهلية    بالصور.. إصلاح كسر ماسورة مياه بكورنيش النيل أمام أبراج نايل سيتي    وزيرة التنمية المحلية تعلن انتهاء استعدادات المحافظات لاستقبال العام الدراسي 2024-2025    بلد الوليد يتعادل مع سوسيداد في الدوري الإسباني    اليوم العالمي للسلام.. 4 أبراج فلكية تدعو للهدوء والسعادة منها الميزان والسرطان    بطاقة 900 مليون قرص سنويًا.. رئيس الوزراء يتفقد مصنع "أسترازينيكا مصر"    بداية جديدة لبناء الإنسان.. فحص 475 من كبار السن وذوي الهمم بمنازلهم في الشرقية    هانسي فليك يفتح النار على الاتحاد الأوروبي    حزب الله يعلن استهداف القاعدة الأساسية للدفاع الجوي الصاروخي التابع لقيادة المنطقة الشمالية في إسرائيل بصواريخ الكاتيوشا    ضبط شركة إنتاج فني بدون ترخيص بالجيزة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 21-9-2024 في محافظة البحيرة    اسكواش - نهائي مصري خالص في منافسات السيدات والرجال ببطولة فرنسا المفتوحة    توجيهات عاجلة من مدبولي ورسائل طمأنة من الصحة.. ما قصة حالات التسمم في أسوان؟    هل الشاي يقي من الإصابة بألزهايمر؟.. دراسة توضح    حكاية بطولة استثنائية تجمع بين الأهلي والعين الإماراتي في «إنتركونتيننتال»    18 عالما بجامعة قناة السويس في قائمة «ستانفورد» لأفضل 2% من علماء العالم (أسماء)    ترتيب الدوري الإنجليزي الممتاز قبل الجولة الخامسة    فيديو|بعد خسارة نهائي القرن.. هل يثأر الزمالك من الأهلي بالسوبر الأفريقي؟    مريم متسابقة ب«كاستنج»: زوجي دعمني للسفر إلى القاهرة لتحقيق حلمي في التمثيل    «الإفتاء» توضح كيفية التخلص من الوسواس أثناء أداء الصلاة    "ألا بذكر الله تطمئن القلوب".. أذكار تصفي الذهن وتحسن الحالة النفسية    ضحايا جدد.. النيابة تستمع لأقوال سيدتين يتهمن "التيجاني" بالتحرش بهن في "الزاوية"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. نوال السعداوى تكتب: تعامل مصر «الخشن».. مع قوتها «الناعمة»

هل يمكن أن ننكر دور تجارب الحياة فى تكوين الإنسان؟ هل الشخصية مثل لون العينين تورّث عبر الجينات؟ الجينات نفسها ألا تتغير وتتطور مع تجارب الحياة وما يعيشه الفرد والجماعة من أحداث سياسية واجتماعية، سعيدة أو تعيسة؟
نحن نرث بعض صفاتنا عن الآباء والأمهات والجدود والجدات، يقول المثل القديم: العرق يمد لسابع جد، أضيف من عندى: ولسابع جدة أيضا، لكن العوامل الوراثية أو الجينات ليست وحدها المسؤولة عن صفاتنا، نحن نتاج تاريخنا الاجتماعى بمثل ما نحن نتاج الجينات والهرمونات والموروثات البيولوجية، لقد انتهت نظرية سيجموند فرويد القائلة بأن «البيولوجيا هى مصيرنا».
مثلا أنا نشأت فى أسرة تحترم المرأة، رأيت أمى فى طفولتى كاملة الأهلية فى البيت، لا يرفع أبى صوته على صوتها، لا ينهرها ولا يوجه لها أمرا، رأيت أبى منذ طفولتى يحترم أمه وزوجته، رغم أن أمه كانت فلاحة كادحة لا تقرأ ولا تكتب، وأمى لم يكن لها عمل خارج البيت ولا ايراد خاص بها أو منصب، لكن أبى تربى منذ طفولته على احترام أمه، هى علمته كيف يحترمها، كانت جدتى الفلاحة قوية الشخصية، مات زوجها وهى شابة فاعتمدت على نفسها، اكتسبت ثقتها بنفسها عبر تجارب الحياة.
غرست فى ابنها منذ طفولته الثقة بنفسه، كانت جدتى تزرع الأرض بيدها، تأكل من عرق جبينها، لا تعيش عالة على أب أو زوج، تتحدى العمدة فى القرية، وتثور مع الفلاحين ضد الملك والإنجليز، تغنى مع الفلاحات وترقص بالفرح تتحدى البؤس، استطاعت أن تدخر من عملها وترسل ابنها ليتعلم فى الأزهر ودار العلوم، علمته الكرامة وعزة النفس والتحدى، تخبط على بطنها بيدها المشققة المحروقة بالشمس قائلة: «الملك ابن تسع شهور خرج من بطن أمه زى بطن أمك دى»، وتضرب بكفها الكبيرة على بطنها رافعة رأسها إلى السماء، من أين لها بهذا الكبرياء؟،
ما فيش حد أحسن من حد إلا بالعمل، العمل عبادة، ربنا هو العدل عرفوه بالعدل، هذه كلماتها انحفرت فى خلايا ابنها منذ الطفولة، ورث صفاتها البيولوجية وتجاربها الاجتماعية، قامتها الطويلة الفارعة، خطوتها الواسعة الممشوقة، عنقها القوى يحمل الرأس المرفوع، تمردها ضد الظلم وحبها للرقص والغناء، تفوق أبى فى الدراسة وأحب الأدب والعلم، كره النفاق والعقل الجامد القائم على التقليد، خرج فى مظاهرات ضد الاستعمار البريطانى والحكم الملكى، تمرد على نظام التعليم فى الأزهر،
رغم ذلك أنهى الدراسة فيه بتفوق ودخل مدرسة القضاء الشرعى، كانت مدرسة أكثر تقدما من الأزهر، اكثر تطورا فى فهم علوم الدين والشريعة، كانت أفكار الشيخ محمد عبده تدرس فى هذه المدرسة، تخرج فيها عدد من الرواد الذين لعبوا دورا فى النهضة الفكرية، وحركة التحرر الوطنى من الاستعمار البريطانى، خلال العقود الثلاثة قبل سقوط الملك فاروق عام 1952، تخرج أبى فى مدرسة القضاء الشرعى وأصبح قاضيا شرعيا، ثم دخل مدرسة دار العلوم سعيا نحو مزيد من العلم والمعرفة.
لم تعش مدرسة القضاء الشرعى الا عشرين عاما فقط، أغلقتها حكومة الملك عام 1928 بأمر من الإنجليز، الاستعمار يضرب الاتجاه المتقدم فى الدين أو المجتمع بالاتجاه المتخلف فى الأزهر والحكومة، أكمل أبى تعليمه العالى، تخرج فى دار العلوم بتفوق، كان يمكن أن يصبح وزيرا للمعارف لو سار مع التيار ونافق الحكومة والإنجليز، إلا أن شخصيته الموروثة والمكتسبة جعلته يتمرد ويرفض الاستعمار والحكم الملكى، ودفع ثمن حريته غاليا.
كثيرا ما يواجهنى هذا السؤال: لماذا يتمرد الإنسان ضد الظلم أو لماذا يقبل الظلم؟
أصبحنا نعرف اليوم أن ال«د. إن . إيه» يمثل قوة كبيرة فى أجسامنا، يتكون من ثلاثة بلايين وحدة ترسم خريطة الجينات، أو الجينوم، تكتسب معناها فقط فى إطار حياتنا وأجسامنا وعقولنا وتاريخنا فى الماضى والحاضر، لا يمكن أن يكون لها معنى دون هذا الإطار.
هناك اتجاه جديد فى العالم اليوم يعارض ما يسمى «تكنولوجيا الجينات»، أو الهندسة الوراثية، أو غيرها من المحاولات العلمية التجارية، تحاول استغلال البشر تحت اسم العلم، لا تقل خطورة عن المحاولات السياسية التى تستغل البشر تحت اسم الهوية أو العرق أو المذهب الدينى أو الجنس أو الجنسية أو غيرها.
كثر الحديث فى السنين الأخيرة عن الجينوم، عن محاولات لصنع الأجنة الأكثر ذكاء من الأب والأم، كأنما الذكاء أو الابداع العقلى يمكن تفريخه فى المعمل أو الأنبوبة، لكن القدرات العقلية والجسمية أيضا تشمل الكيان الإنسانى كله، ماديا ومعنويا، بيولوجيا ونفسيا وسياسيا واقتصاديا وتاريخيا وغيرها.
تلعب الدعاية التجارية والسياسية دورا بارزا فى نشر الخزعبلات العلمية وليس الدينية فحسب، قرأنا الكثير من هذه الدعاية فى الإعلام المحلى والدولى.
كانت هناك دعاية تقول: سيكون لك طفل يتمتع بذاكرة قوية عن طريق الجينات، وتكون النتيجة فقدان الذاكرة كليا أو جزئيا، هذه بعض نماذج الدجل العلمى الحديث وما بعد الحديث، منها أيضا الدعاية عن الفياجرا والمقويات الجنسية للعجائز من الرجال، قد يصاب الواحد منهم بهبوط فى القلب ويزف إلى القبر بدلا من العروس الجديدة أو العشيقة.
تشكك العلماء والأطباء من ذوى الضمير الحى فى هذه الدعاية الأمريكية- الأوروبية، التى بالغت فى قوة الجينوم، وخدعت الكثيرين من الناس خاصة فى بلادنا، أضافت إلى العنف الاستعمارى العسكرى عنفا آخر فى مجال العلم والوراثة، أحد هؤلاء العلماء هو «بيل ماكيبين» أصدر كتابا جديدا بعنوان: «التمسك بالإنسانية فى عصر الهندسة الوراثية»، كشف فيه عن خطر المبالغة فى قوة الجينوم، إلا أنه فصل بين العوامل البيولوجية الجسدية والعوامل السياسية والاجتماعية والتاريخية فى تكوين الشخصية.
اندلع الصراع بين علماء الشركات الرأسمالية والعلماء ذوى الضمير، انتهى الصراع بانتصار أصحاب السلاح والمال والإعلام.
حتى اليوم اكتشف العلم 35 ألفاً من الجينات فى جسد الإنسان، أكثرها لا يختلف عن الجينات فى خلايا ذباب الفاكهة، فهل يمكن للذبابة بهذه الآلاف من الجينات أن تبدع عقليا كما يبدع عقل الإنسان؟ هل يمكن للمبدع الرجل أو المبدعة المرأة أن يخلق الأفكار الجديدة بسبب خريطة الجينوم أو تشكيلة البروتين فى ال«د. ان .إيه»؟ هل عقل الإنسان المبدع مجرد جزيئات بروتينية تعوم داخل خلايا المخ؟
لا تزال أغلب وظائف خلايا المخ مجهولة، لم يكشف العلم الا عن 20% من وظائفه، لأن عقل الإنسان ليس فقط لحم المخ، بل أيضا الخبرات والتجارب الاجتماعية التى يعيشها، تؤثر فى تكوين عقله وشخصيته، تربط بين الجسد بالعقل بما يسمى الروح أو النفس وبالمجتمع والماضى والحاضر والمستقبل.
أيكون هذا الترابط هو الإبداع؟ ألهذا لم يتطور مخ القرود كما تطور مخ الإنسان رغم التشابه الكبير بين جينات القرود ال35 ألفاً مع جينات الإنسان؟ ألهذا لم يتطور مخ الذباب رغم تشابه الآلاف من الجينات وتشكيلة البروتينات؟ ليس للذباب ذاكرة تاريخية أو علوم اجتماعية، هل يعرف الذباب الماضى أو المستقبل؟
حين كنت طفلة سمعت الرجال فى قريتى يقولون إن مخ البنت أقل من مخ الولد.
لكن جدتى الفلاحة كانت أكثر عقلا من رجال قريتها، أدركت أن الله هو العدل تعرفه بالعقل وليس بقراءة النصوص.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.