عاد الهدوء التام ليسود شوارع العاصمة اليونانية أثينا، بعد يوم صاخب اشتعلت فيه المظاهرات ضد خطط التقشف الأوروبية، والتي بدأت سلمية، وانتهت باشتباكات مع قوات الأمن ومكافحة الشغب. وبعدما فضت الشرطة المسيرات وأخلت الشوارع من المحتجين، عادت المحال لفتح أبوابها، صباح الخميس، ليعيش اليونانيون يوما هادئا «كأن شيئا لم يكن بالأمس»، بحسب ما وصفت «كريستينا ديمتريوس»، الناشطة في تنظيم «بامي» العمالي، والتي شاركت في احتجاجات، الأربعاء، الأكبر من نوعها منذ اندلاع غضب الشارع اليوناني إزاء خطط التقشف الأوروبية المفروضة عليه. واتهمت «كريستينا» من وصفتهم ب«المندسين» بالتسبب في إفساد المظاهرات. وقالت ل«المصري اليوم»: «المسيرات بدأت سلمية في جميع الشوارع، وحسب الخريطة المحددة، اتجهنا إلى الميدان، لكن حوالي الساعة 12 ظهرا، فوجئنا بنحو 60 شابا يلبسون ملابس سوداء وأقنعة، قاموا بقذف رجال الشرطة بزجاجات المولوتوف الحارقة، وهو ما أدى إلى قيام أفراد مكافحة الشغب بالرد بقنابل الغاز». وأوضحت: «طبعا أدى ذلك إلى انسحاب أعداد كبيرة من المشاركين، بسبب الأجواء الخانقة التي خلفتها قنابل الغاز، وبسبب اشتعال بعض الأشجار والأكشاك التجارية». وردا على سؤال حول هدف هؤلاء من تلك الأعمال، قالت «كريستينا»: إنهم يهدفون إلى فض المظاهرات، وتساءلت: «رئيس الحكومة في برنامجه الانتخابي وعدنا بأن يرفع الغطاء ويكشف عن هؤلاء المندسين وما الهدف من ورائهم.. لكن شيئا من ذلك لم يحدث». كانت أثينا قد عاشت يوما طويلا تجمع فيه أكثر من 15 ألف متظاهر في ميدان «سينديغما»، أكبر ميادين العاصمة اليونانية، بناء على دعوة من تنظيم «بامي» العمالي، التابع للحزب الشيوعي اليوناني، وأيضا بناء على دعوة من اتحاد عام العمال واتحاد موظفي القطاع العام. واتجهت المسيرات إلى ميدان «سينديغما»، الذي فُرض عليه طوق أمني مكون من أكثر من 2500 شرطي، فضلا عن قوات مكافحة الشغب والدراجات النارية التي وضعت لحماية المنشآت والمسيرات والتجمعات. وجاء التحرك احتجاجا على استقطعات كبيرة من رواتب المواطنين وعلى إجراءات اقتصادية أخرى يعتبرها الشارع اليوناني «قاسية» تخطط لها الحكومة، تلبية لمطالب «ترويكا» الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي والبنك المركزي الأوروبي «للحصول على القسط الجديد من القرض». وعن جدوى هذه الاحتجاجات، يقول «بافلوس تسامبس»، صاحب أحد المحال التي أغلقت الأربعاء ووضعت على أبوبها الأقفال تلبيه لدعوة الإضراب والاحتجاج: «لا أظن أن احتجاجاتنا سوف تغير شيئا مما سوف تقرره الحكومة، لكن كل ما أتمناه هو أن نستطيع أن نخرج من هذا النفق المظلم». واستكمل «بافلوس» قائلا: «الهدف الذي ستحققه هذه المظاهرات هو أننا نبعث برسالة لكل العالم بأننا مازلنا صامدين»، واختتم قوله بالتأكيد على أن «ألمانيا لم تكن صديقة لليونان ولن تكون كي نثق بها لمساعدتنا في عبور الأزمة. وكان وزير البنية التحتية وحماية المواطن، نيكوس دايندياس، قد عبر على حسابه في «تويتر» عن ارتياحه للنتائج التي آلت إليها الاحتجاجات، وتطرق إلى «التجاوزات المعزولة»، على حد تعبيره، والتي تعاملت معها شرطة مكافحة الشغب «بحكمة». وجاء ذلك في وقت تداولت فيه وسائل الإعلام صور فض المظاهرات، التي اعتبر البعض أنها تتسم ب«العنف». وتعتبر الحزمة التقشفية الحالية الأصعب منذ بدء سياسة التقشف، إذ من المفترض توفير أكثر من 11 مليار يورو من الإنفاق العام، وتحاول الحكومات المتعاقبة منذ عام 2010 إقناع الشعب اليوناني بأنها تسعى لإنقاذ المواطن، الذي يرى أن ما يحدث هو «العكس تماما».