ثمة شواهد عديدة تجعلنى أجزم بأن الدولة بمؤسساتها ذات الصلة كانت حاضرة داخل انتخابات مكتب إرشاد الإخوان، التى جرت فى أجواء غير مسبوقة،لكن ليس بالشكل التآمرى الذى ذهب إليه البعض بأن الدولة دبرت ما حدث من انفجار داخل الجماعة، غير أن سكون الدولة الكبير الذى يوحى بأنها انضمت إلى مقاعد المشاهدين والمراقبين والجمهور على ما حدث ويحدث داخل الجماعة لم يكن سوى مجرد «استراحة محارب»، فى تقديرى تنتظر من خلالها انتهاء هذه «المعركة» غير المسبوقة داخل التنظيم الأكثر عُدّة والأكبر مجابهة لها، سواء من ناحية الإعلان عن هذه التفاعلات الداخلية التى عكسها الزخم الإعلامى الكبير غير المسبوق أيضاً، الذى أوحى فعلياً بأن جماعة الإخوان المسلمين باتت دولة داخل مصر وليس مجرد تنظيم محظور! شواهد حضور الدولة لم تقتصر على السكوت فقط وإنما المشاركة «غير المباشرة» فى تفعيل الأحداث الداخلية للإخوان التى أستطيع أن أحددها - حسب علمى - فى عدة نقاط.. الأولى هى الإفراج عن نحو مائة من عناصر التنظيم فى عدد من المحافظات قبيل إجراء انتخابات مكتب الإرشاد بأيام قليلة، وهو أمر نادر الحدوث لأن المتعارف عليه هو الخروج فرادى وليس جمعاً بهذا العدد الكبير.. الثانية: قيام نيابة أمن الدولة العليا بحفظ وإغلاق نحو 500 قضية من القضايا المتهم فيها عناصر من الإخوان، سواء كانوا قيادات أو كوادر، هذا الحفظ لهذه القضايا التى يتعدى عمرها ال15 عاماً كان رسالة تطمين لهذه العناصر المتهمة بأنها فى «مأمن ولو مؤقتاً» تستطيع بسببه القيام بدور فعال فى انشقاقات التنظيم التى كانت متوقعة، النقطة الثالثة والأهم هى عملية الإفراج عن عبدالمنعم أبوالفتوح وباقى المتهمين فى قضية التنظيم الدولى الشهيرة التى أستطيع الآن أن أقول - بعدما اتضحت الصورة - أن الهدف منها كان حرق أبوالفتوح وعدم تصعيده وليس كما ذهبت فى مقال سابق بأنه كان محاولة لإحداث نوع من أنواع التوازن بين جبهتين متصارعتين داخل التنظيم. إذ بات يقيناً أن الهدف من الإفراج عن أبوالفتوح كان عدم انتخابه داخل مكتب الإرشاد ودوام السيطرة لمجموعة «المشايخ» التى يسهل للدولة السيطرة عليها، لأنها لا تتخوف منهم بقدر ما تتخوف من شخصية أبوالفتوح، الذى لديه استعداد للتواصل مع الخارج، وبالتحديد الأطراف الأمريكية والأوروبية ذات التأثير على القرار الرسمى الذى يقلق الدولة فعلياً. النقطة الرابعة هى: سماح الدولة للإخوان بعقد كل هذه اللقاءات العلنية والإعلان يومياً عن الانتخابات والظهور الدائم لأعضاء مكتب الإرشاد بصفاتهم التنظيمية يتحدثون عن أزمة اللوائح والمشاكل الداخلية للتنظيم، لدرجة أن موقع الجماعة الإلكترونى كان يبث اجتماعات مطولة مصحوبة بالصور لاجتماعات المرشد ومكتب الإرشاد، وذلك لأول مرة فى حدود إطلاعى، إضافة إلى اجتماعات مجلس الشورى العام واللجان المشرفة على الانتخابات، واجتماعات المكاتب الإدارية للتنظيم وإصدار القرارات والبيانات، التى لا أشك لحظة فى أن الأجهزة الأمنية ترصدها جيداً، كما قال محمد حبيب فى أحد تصريحاته الإعلامية. وإذا قال قائل إن الجماعة تعمل بشكل معلن ولها مكتب إرشاد معروف وفعاليات معلنة فلماذا الغرابة والعجب، فإن الرد هو أن «الدولة والجماعة» تلعبان لعبة خفية ليس مسموحاً لها بالإعلان المباشر، ومن يخرج من الخفاء فإنه قد خالف شروط اللعبة! ومن بين هذه الشروط عدم العلانية المباشرة التى حدثت فى الانتخابات الإخوانية الأخيرة، ذلك أن عهدنا نحن الصحفيين المراقبين لملف الإسلام السياسى أن جميع اجتماعات الإخوان العلنية يتم رصدها أمنياً، ووقائع القبض على اجتماعات مشابهة عديدة، منها على سبيل المثال لا الحصر إلقاء أجهزة الأمن ذات مرة القبض على جميع أعضاء مجلس شورى الجماعة فى أحد الفنادق وتقديمهم للمحاكمة العسكرية مع العلم أن هذا الاجتماع كان من أجل إقامة الانتخابات الداخلية للجماعة فى ذلك الوقت! وإذا سأل سائل عن هدف الدولة من مشاركتها «غير المباشرة» التى لا أعلمها بطبيعة الحال فإن الجواب هو أنها أرادت تفجير الجماعة من الداخل والمساعدة على ذلك.. وهو شبه حادث الآن لأنه حتى الآن لم يطمئن أحد إلى أن التنظيم هدأت ثوراته الداخلية بعد، أو أن بوادر الانشقاق قد توارت! الآن تنتظر الدولة الإخوان بفارغ الصبر سواء انفجروا أو لم ينفجروا لتنقض عليهم فى حملة قد تكون هى الأعنف فى السنوات الأخيرة على الجماعة، وهو أمر ليس لى به علم حتى لا يسىء أحد الظن بى بقدر ما هو معرفة بطبيعة «اللعبة»، بين الجانبين، وسوف تنتظر الدولة انتخابات مرشد الإخوان وبعدها ستكون الأيام المقبلة «وبالاً» على الجماعة لأن من خالف الشروط عليه أن يتحمل النتائج!