جاءتنى رسالتان، إحداهما من واشنطن، والأخرى من المعادى، ولكن الموضوع فيهما واحد.. فالدكتور أشرف الفقى، طبيب مصرى، يقيم فى العاصمة الأمريكية، ويعمل فى المعهد القومى للأورام هناك، ورغم أن بيننا وبينه عشرة آلاف كيلومتر، فإنه يتابع قضايانا هنا بدقة، وكأنه يعيش معنا، بل يراها بشكل أوضح مما نراها نحن عليه! وإذا كانت لديه أمنية وحيدة يريدها الآن، فهى أن يؤدى كل هذا الكلام، الدائر حول «مشروع زويل» فى مصر، إلى شىء حقيقى على الأرض نستطيع أن نمسكه بأيدينا، وربما يكون أكثر ما يحزنه علينا أننا، فيما يخص هذا المشروع، لانزال ندور فى أماكننا منذ 11 سنة، أى منذ حصل الدكتور زويل على جائزة نوبل! والدكتور الفقى يتضاعف حزنه، حين يتابع هناك، فى مقر إقامته وعمله، وكالة الفضاء الأمريكية، وهى ترسل مركبة فضائية سوف تلتحم قريبا بمحطة الفضاء الدولية، ويجرى بث الرحلة بالفيديو، على موقع الوكالة الإلكترونى، بثاً مباشراً، بحيث يستطيع العالم كله، وليس واشنطن وحدها، أن يتابع وقائع الرحلة المثيرة، ساعة وراء ساعة، فإذا التفت الدكتور الفقى إلينا فى القاهرة، وجدنا مشغولين بالبحث عن أنبوبة بوتاجاز، فى الوقت الذى كان فيه العالم، ولايزال، فى أغلبه، مشدوداً من عينيه، ومن كل انتباهه، نحو البث المباشر لرحلة فضائية على الإنترنت! وهو يقترح أن تنشئ «المصرى اليوم»، موقعا إلكترونياً خاصاً بمشروع زويل، يتلقى الأفكار المختلفة حول المشروع، من داخل مصر، ومن خارجها، بما يؤدى، فى النهاية، إلى إنجاز «شىء» يمثل بداية فى اتجاه نقل بلدنا من المنحدر الذى يجد نفسه فيه، إلى مكان، ثم مكانة تليق به، وبإمكاناته على مستوى البشر والحجر معاً! ومن المعادى يتفق الأستاذ سمير رياض متى، مع الدكتور الفقى، دون ترتيب مسبق، ويقول إن مشروع زويل إذا كانت له ثلاثة أطراف: الدولة التى سوف تعطى التراخيص والموافقات، ثم المجتمع المدنى الذى سوف يموِّل من خلال القادرين فيه، وأخيراً الدكتور زويل صاحب الفكرة، فإن المسؤولية تقتضى منا، أن نطالب كل طرف بأن يقدم ما عنده، دون تأخير، حتى نكون جادين بالقدر الذى يتطلبه مشروع بهذه الأهمية! ويقترح الأستاذ متى، من جانبه، أن يجرى فتح حساب باسم المشروع، يتلقى ما يريد كل مواطن أن يساهم به.. ويقترح أن يكون الحد الأدنى للمساهمة مائة جنيه، ويبدأ بنفسه ويقول إن مساهمته سوف تكون خمسة آلاف جنيه، وهى جاهزة، سوف يرسلها فوراً على أى حساب يتحدد ويجرى الإعلان عنه للناس! الحماس للفكرة، ثم للمشروع، ممتد من واشنطن إلى المعادى، بالدرجة نفسها من الرغبة فى الإنجاز.. ولابد أن الرسالتين فى مضمونهما تمثلان عينة تشير إلى شكل المزاج العام، كما تدل القطرة من الماء، على مذاق البحر.. ولكن.. يبقى الأهم فى الطريقة التى سنتعامل بها مع حماس من هذا النوع.. هل نجيد ترجمته إلى فعل من لحم ودم، أم يظل هائماً كأنه كوكب يبحث عن مدار يستقر فيه؟! الظروف تجعل «المشروع» فرصة مواتية يجب الإمساك بها، فربما لا تتاح هكذا، مرة أخرى، وإذا كان الإنسان لا ينزل النهر فى حياته مرتين، لأن الماء يتحرك دوماً، فإن فرصة من هذا النوع، سوف لا تأتى مرتين!