للدكتور مأمون فندى «تمخيخات» سياسية مدهشة يتحفنا بها من وقت لآخر. غير أن «تمخيخة» هذا الأسبوع، التى نشرت فى «المصرى اليوم» أمس الأول، الأربعاء، فاقت ما عداها ومن ثم تستحق، فى تقديرى، أن نتوقف عندها بقدر من التأمل. فقد بدا صاحبنا وكأنه قرر الانضمام فجأة إلى صفوف المعارضة المطالبة بتعديل الدستور قبل إجراء الانتخابات الرئاسية المقبلة، لكنه بدا حريصا فى الوقت نفسه على أن يؤكد اختلافه الكامل مع مضمون التعديلات الدستورية المرغوبة ومع دوافع طرحها. ففيما يتعلق بالمضمون تطالب المعارضة بتعديلات دستورية تركز، من وجهة نظره، على «تنظيم عملية الدخول إلى الحلبة»، بينما يطالب هو بتعديلات تركز على «تنظيم عملية الخروج منها». أما فيما يتعلق بالدوافع، فلم يتردد صاحبنا فى اتهام المعارضة، التى وصفها ب«الثورجية»، بأنها تسعى لزعزعة الاستقرار، بينما حرص على تقديم نفسه إنسانا «يهمه استقرار البلد وليس ثورجيا». ومع ذلك تبدو التعديلات التى ينصح الحكومة بتبنيها أكثر «ثورجية» من كل «الثورجيين» المعروفين!. فهو يطالب بتعديل دستورى يختزل فترة الولاية الرئاسية إلى النصف، أى إلى ثلاث سنوات بدلا من ست، ويقصرها على فترتين متتاليتين لكل رئيس. ولا يفوت صاحبنا أن يؤكد بالطبع أن الرئيس مبارك ليس مقصوداً بها، لكنه يتحدث بوضوح وبشجاعة يحسد عليها عن تفضيله لرئيس متقدم فى العمر على رئيس شاب «لأن الذى يدخل لا يخرج»، وفقا لمنطق الاستبداد السائد فى عالمنا الشرقى - على حد تعبيره. لا أعرف بالضبط على أى نوع من أدبيات علم السياسة يستند أستاذ العلوم السياسية حين يميز هكذا بين الإجراءات الدستورية المتعلقة بتنظيم إجراءات المنافسة على مقعد الرئاسة والإجراءات المتعلقة بمدد البقاء فيها، وبطريقة تقلل كثيرا من شأن الأولى وتعظم كثيرا من شأن الثانية دون أى مبرر فى الحالتين. فكيف يمكن لعاقل أن يتصور أن الدستور الذى يقيد حق المستقلين فى الترشح للانتخابات الرئاسية ولا يتضمن حداً أدنى من الضمانات التى تكفل نزاهة وشفافية الانتخابات يمكن أن يكون راغبا فى تقييد فترة بقاء الحاكم فى السلطة. وكيف يمكن لرئيس شاب يأتى عبر انتخابات مزورة ويحكم بدستور يمنحه صلاحيات وسلطات مطلقة لا تحدها حدود، فى نظام يستطيع الحصول بالتزوير فى أى انتخابات تشريعية على أغلبية أتوماتيكية، أن يمنع نفسه من الوقوع تحت إغراء إعادة تعديل الدستور لضمان البقاء فى السلطة مدى الحياة.؟ لذا يتعين أن يكون واضحاً للجميع أن عدالة وشفافية الإجراءات المتعلقة بالمنافسة على الانتخابات، رئاسية كانت أم تشريعية، أهم بكثير من الإجراءات المتعلقة بتقييد مدد الرئاسة، على الرغم من ضرورتهما معاً لاستقامة الحياة السياسية. ولأن الدكتور مأمون يعتقد أن الحكومة لن تستمع على أى حال إلى نصيحته، لأنها حكومة «طرشة»، على حد تعبيره هو، فإننى أنصحه بدورى أن يعيد النظر فى مقترحه، والذى قد يرى فيه البعض رشوة دستورية لضمان وصول جمال مبارك رئيساً بالتزوير لمدة ست سنوات فقط كحل وسط!. فحتى لو ضمن لنا أنها ستكون ست سنوات فقط، لا أظن أنه يمكن لشعب مصر أن يقبل هذه الرشوة المقننة.