قرار الدكتور زقزوق، وزير الأوقاف، توحيد الأذان فى مساجد القاهرة، مع بدء شهر رمضان، خطوة جريئة يستحق التحية عليها. صحيح أنها تأخرت، وصحيح أنها، كخطوة، كان يجب اتخاذها من زمن طويل، لإنقاذ أسماع الناس من أصوات قبيحة، كانت ولاتزال إلى اليوم، تنطلق فى الميكروفونات، عند موعد كل صلاة، ولكنها على كل حال، قد أصبحت واقعاً، بعد أن ظلت الحكومة مترددة إزاءها، دون مبرر، وصار فى إمكاننا مع بدء شهر الصيام أن نستمتع بالأذان، وهو يرتفع خمس مرات فى اليوم، بصوت عبدالباسط، أو مصطفى إسماعيل، أو الشيخ رفعت، إلى آخر هذه السلسلة الذهبية من الأصوات الجميلة! ولكن.. ما نتمنى أن ينتبه إليه الوزير زقزوق، أنه فى حاجة إلى أن يتخذ خطوة مماثلة، تجاه خطبة الجمعة هذه المرة، لأنها بما يقال فيها، كل يوم جمعة، على امتداد الجمهورية، أخطر بكثير على عقول المصلين البسطاء، من مجرد انطلاق صوت قبيح هنا، أو آخر هناك.. وبطبيعة الحال، فليس من الممكن توحيد الخطبة، كما حدث مع الأذان.. لا هو عملى، ولا هو ممكن، ولا حتى مقبول، وإنما المقصود أن الكلام الذى يقال على منابر الجمعة، أسبوعياً، من جانب أغلب الخطباء، يحتاج إلى مراجعة سريعة، ويحتاج إلى احترام عقول الذين يذهبون ليؤدوا الصلاة فى الجامع، فإذا الخطيب يدعو - مثلاً - على اليهود والنصارى معاً، ويطالب المصلين بأن يرددوا وراءه «آمين»، وهو يعرف تماماً، أن اليهود - كيهود - أصحاب ديانة سماوية، وأن النصارى أيضاً أصحاب ديانة سماوية، شأنها شأن الإسلام بالضبط، ولا يجوز بأى حال، نشر هذه المشاعر السلبية تجاه طائفة من أبناء وطن واحد، على هذه الصورة التى لا تقبلها سماحة ديننا فى فطرته الأولى. خطبة الجمعة يا دكتور زقزوق، وأنت سيد العارفين، أكثر قدرة على الوصول إلى ملايين المصريين، من كل مؤتمرات الحزب الوطنى مجتمعة، لا لشىء، إلا لأن المواطنين الذين يذهبون لأداء الصلاة، يتعرضون لها، فى وقت واحد، فى جميع المساجد، ولنا أن نتصور، والحال هكذا، كم مليوناً منا، يتعرضون للخطبة، فى توقيت متزامن، ثم لنا أيضاً أن نتخيل حجم تأثير الخطبة، فى العقول، وفى توجيهها، وربما أيضاً فى تشكيلها على غير ما نشأت عليه! فى دول أخرى، ومن بينها سوريا، أدركوا أهمية خطبة الجمعة، فاستغلوها إيجابياً، أحسن استغلال، فى بث الوعى بين المواطنين، تجاه قضايا محددة، ونجحوا فى ذلك، إلى حد بعيد. خطبة الجمعة يجب أن تكون لها مرجعية وحيدة تأخذ منها، وتخاطب الناس.. وهذه المرجعية لها نبع واحد، هو روح الإسلام، وثقافته، وسماحته، وإذا كان الهدف من توحيد الأذان، مقاومة التلوث السمعى، فتلويث العقول أجدى بأن نكافحه!!
