اسمه بالكامل: عمرو النبوى حافظ، طالب بالفرقة الثانية بكلية التجارة جامعة المنصورة.. لم يسرق ولم يختلس ولم يستول على متر واحد من أراضى الدولة، كما لم يُضبط متلبسا بالمشاركة فى جمع توقيعات تطالب بتعديل الدستور، أو فى وقفة احتجاجية لحركة كفاية أو فى مظاهرة للإخوان المسلمين.. لا تعنيه السياسة وأهلها، فالجميع بالنسبة له متساوون: جمال مبارك، محمد البرادعى، أيمن نور وغيرهم!.. لكن الملف الأمنى (النظيف) لعمرو قد يتبدل حاله بعدما حدث فجر يوم الاثنين الماضى!.. كان عمرو يتأهب مع أربعين شابا آخر للهرب إلى إيطاليا حين أُلقى القبض عليهم أمام شاطئ البرلس بمحافظة شرم الشيخ!.. نشرت (الأهرام) هذا الخبر فى صفحتها الأولى أمس الأول وكأنها تحتفى بإنجاز غير مسبوق للحكومة، رغم أنه فى الواقع يمثل إدانة لسياستها. تحاصر الحكومة عمرو وأمثاله منذ لحظة الميلاد وحتى لحظة الموت، وما بينهما سنوات طالت أم قصرت تحفل بصور شتى من الأزمات:السكن، المواصلات، لقمة العيش وغيرها كثير.. ذنب عمرو أنه فهم مبكرا أن الهوة شاسعة بين تصريحات المسؤولين الوردية وواقع الحياة الأسود!.. كان على يقين بأن حصوله على بكالوريوس التجارة سيمنحه فقط شهادة الانضمام إلى جيش العاطلين، وسيصبح حينها من الترف الحلمُ بشقة وعروسة وحياة آدمية كريمة!.. يخدعونك بالقول إن أمثال عمرو طماعون، يسعون وراء الثراء السريع.. قبل أربعة أعوام أرسلت جامعة إقليمية 17 طالبا متفوقا إلى إحدى جامعات نيويورك للمشاركة فى برنامج أكاديمى، هرب منهم 11 طالبا.. فهل هؤلاء طماعون أيضا؟!.. يصرخ الشيوخ فى وجهك متوعدين: (منْ يحاول الهجرة إلى دولة أجنبية بحثا عن العمل وطلب الرزق بطريقة غير مشروعة ويتعرض للموت غرقا فى البحر، فهو ليس شهيدا، بل شأنه فى ذلك كمن مات أثناء محاولته السرقة أو القتل!!).. لا سامحَ الله هؤلاء الشيوخ الذين تزيد فتاواهم إحباط الشباب، فيدفعونه إلى طريقين: البانجو أو الانتحار! منذ بداية الثمانينيات أشاحت الحكومة بوجهها عن الحاصلين على شهادات متوسطة، وكذلك عن خريجى معظم الجامعات، وتزامن ذلك مع بدء تطبيق سياسة (الخلجنة) التى تعطى مواطنى دول الخليج الأولوية فى الحصول على وظائف فى بلادهم، لم يبق بدائل حقيقية أمام الشباب، فارتفع معدل الهجرة غير الشرعية إلى بلدان أوروبا، خاصة فى السنوات الأخيرة، ومعها زاد عدد منْ ابتلعهم البحر المتوسط!.. بالطبع لا أدعو الشباب إلى اتخاذ تلك الطريقة كحلٍ لمشاكلهم الحياتية، لكنى أتساءل: ماذا فعلت الحكومة وحزبها لمواجهة هذه الظاهرة؟!.. لا شىء!.. فقط تصريحات عنترية عن تعقب السماسرة والعصابات، ومؤتمرات مضحكة يستحق منظموها الرثاء، مثل مؤتمر عُقد الشهر الماضى فى معسكر شبابى بمدينة بلطيم بحضور محافظ كفر الشيخ.. صدَّقَ واحد من الشباب حكاية (مناقشة قضية الهجرة غير الشرعية) واشتكى من المشكلات التى يعانى منها أقرانه، فرد عليه المحافظ محتدا: (أنت كاذب وأنتم شباب فرافير ونحن شعب من الفرافير، الشباب لا يحب العمل والكفاح والجهاد مثل الأجيال السابقة!).. هكذا يرى المحافظ - لا فُض فوه -أمثال عمرو النبوى: مجرد فرافير، يستحقون الموت غرقاً فى البحر أو كمداً فى الوطن!.. لا سامح الله الحكومة ومحافظيها! [email protected]