جاءت الزيارة المشتركة للرئيس السورى بشار الأسد والعاهل السعودى الملك عبدالله بن عبدالعزيز فى توقيت يكثر فيه الحديث عن التوافق الدولى والإقليمى حول لبنان بما يساهم فى تقليل التوتر فى البلد الصغير، الذى يعانى الانقسامات الطائفية والتجاذبات السياسية. وتستمد زيارة بشار وعبدالله أهميتها فى أن دولتيهما تعدان من بين 4 لاعبين أساسيين فى لبنان وهم سوريا وإيران من جهة والسعودية والولايات المتحدة من جهة أخرى، ولاشك أن توافقاً سعودياً سورياً من شأنه أن يسهم فى تحسين العلاقات بين الأطراف اللبنانية المختلفة، خاصة السنة والشيعة. وللطرفين السعودى والسورى حساباتهما فى التهدئة اللبنانية فى الوقت الحالى، وتدور تلك الحسابات جميعا بشكل أو بآخر حول الوضع الإقليمى، خاصة فيما يتعلق بإيران تحديدا. فمع تزايد الضغط الدولى على إيران فى الآونة الأخيرة، من خلال إقرار قرار دولى من مجلس الأمن يسمح بفرض عقوبات منفردة على طهران (أقرت واشنطن وبروكسل عقوبات مشددة بالفعل)، بات على سوريا أن تسعى للتهدئة فى لبنان بما يسهم فى تقليل الضغط على حزب الله حليفها الرئيسى على الساحة اللبنانية، ويسمح للحزب بالاحتفاظ بسلاحه دون ضغوط من الداخل بما يسهم فى تشكيل جبهة قوية مع إيران وحزب الله وحماس إذا ما اندلعت حرب إسرائيلية فى مواجهة طهران. أما على الجانب المقابل، فإنه على الرغم من الرغبة السعودية المؤكدة من الخلاص مما تراه «تهديدا إيرانيا» إلا أن الرياض تخشى دائما من تأثير الحرب على طهران على الوضع الاقتصادى فى المنطقة، خاصة إذا ما نفذت إيران وعيدها بقطع إمدادات النفط عبر مضيق «هرمز» إذا ما تعرضت لهجوم، ومن ثم تصبح التهدئة فى لبنان مصلحة سعودية مباشرة لرغبتها فى تجنب حرب إقليمية قد تكون لبنان شرارتها الأولى. أما على صعيد الحسابات الداخية، فجاءت رغبة حزب الله فى التهدئة متوافقة مع ما تصفه مجلة «فورين بوليسى» ب«قلق» الحزب من نتائج محاكمة قتلة الحريرى واحتمال اتهام أعضاء «غير منضبطين» من حزب الله بالمسؤولية عن الاغتيال، بما يجعل الحزب راغباً فى التهدئة نظرا لأن صدور مثل هذه الاتهامات، التى نفاها الحزب مرارا، فى أجواء متوترة من شأنه أن يدفع بالأمور فى لبنان إلى أجواء موجهات داخلية يرغب حزب الله فى تجنبها، حرصا على استقرار جبهته فى مواجهة إسرائيل. أما فريق الأكثرية فيعلم أن ميزان القوى ليس فى صالحه فى مواجهة حزب الله، سواء أكانت القوة بشرية أو تنظيمية أو حتى عسكرية، بما يدفع الأكثرية اللبنانية إلى محاول الاحتفاظ بالتوازن القائم حاليا، لأن أى تغير فى الوقت الحالى سيكون فى مصلحة الحزب وحلفائه وضد مصلحتهم. ويتضح مما سبق أن هدف الأطراف جميعا «تجميد» الأوضاع فى لبنان على ما هى عليه، وليس الوصول إلى حل حول المسائل العالقة بين الأطراف المختلفة، فعلى الرغم من أن بعض المسائل الرئيسية تم حسمها لبنانيا، مثل العلاقات مع سوريا واعتبار إسرائيل عدوا، إلا أن مسائل أخرى مثل سلاح حزب الله، وربما حتى ملاءمة اتفاق الطائف للوضع الحالى فى البلاد، إلا أن البت فى هذه المسائل بات مؤجلا ليكون شعار هذه الزيارة «يبقى الوضع على ما هو عليه فى لبنان لحين الانتهاء من الملفات الإقليمية المختلفة».