«عرض ما يتفوتش»، «اشترى 2 واحصل على واحدة مجانا»، «عرض خاص ولفترة محدودة» هذه نوعية من العبارات البراقة التى تزدحم بها أركان الأسواق التجارية الكبيرة المعروفة ب«الهايبر ماركت»، بهدف خطف أنظار المستهلكين، والسيطرة على نفسيتهم وقدرتهم الشرائية وإقناعهم باقتناء عروض الشراء المتاحة، فتتسابق الأيادى بشكل لا إرادى للفوز بها وبما يرافقها من هدايا وتخفيضات، ورغم ما توفره بعض العروض من أموال وإقبال البعض عليها هربا من الغلاء، إلا أن خبراء ومتسوقين يرون فى العروض دسا للسم فى العسل، حيث غالبا ما تقترن العروض بسلع راكدة أو أخرى أوشكت صلاحيتها على الانتهاء.. وفى كل الأحوال لا تتأثر ربحية التجار لأنهم يحددون مكسبهم سلفا بالاتفاق مع المنتجين قبل بيع هذه السلع. وبحسب علم التسويق فإن العروض هى أحد أهم طرق الترويج السريع للسلع، فهل هى« عروض لا تعوض» فعلا أم أنها «عروض نووية» لتدمير الميزانية؟ يقول الدكتور صفوت العالم أستاذ الإعلان بجامعة القاهرة: ظهرت فكرة «العروض» بشكل واضح مؤخرا مع انتشار المتاجر الكبيرة و«الهايبر ماركت»، والتى يسعى القائمون عليها إلى جذب أكبر عدد من المستهلكين وتحقيق أعلى قدر من المبيعات للاستفادة بأكبر قدر من الخصومات التى تمنحها الشركات المنتجة.. ولذلك فالتاجر يعتمد على أكثر من حيلة لاستنزاف المستهلك، عن طريق العروض، وهو نظام مستورد من الثقافة الأمريكية لكنه مطبق فى الخارج بشكل صحيح وتحكمه لجنة التجارة الفيدرالية لكل ولاية، ويتم توقيع عقوبة على من يرتكب أى مبالغة أو خداع للمستهلك. أما فى مصر فإن هذا النظام يشوبه بعض العيوب مثل استخدامه فى ترويج سلع أوشك تاريخ صلاحيتها على الانتهاء، وذلك بطريقة تسمى «التحميل» أى تحميل سعر سلعة على أخرى، ويكونان فى الغالب سلعتان ذات صلة، مثل عرض صابون الوجه مع زجاجة صابون أطباق، حيث تكون إحدى هذه السلع غير رائجة أو أوشك تاريخ صلاحيتها على الانتهاء، فيتم بيعها من خلال العرض أفضل من خسارتها، وهناك أيضا أسلوب «القسيمة الشرائية» مثل «إذا اشتريت مبيعات ب200 جنيه تحصل على قسيمة شرائية ب20 جنيهاً»، هنا قد يتورط المستهلك تحت وطأة الرغبة فى الفوز بالقسيمة فى شراء منتجات يبلغ ثمنها 200 جنيه دون أن يكون بحاجة إليها. مع اقتراب شهر رمضان الذى يشهد ثورة فى عالم العروض نجد ضرورة قصوى لتدخل حازم من جهاز حماية المستهلك لفرض رقابة على أساليب العرض التجارى والإعلانات وتوقيع عقوبات على المعلنين والمروجين للعروض الوهمية.. وعلى المستهلك أيضا أن يحدد ما يحتاجه قبل وأثناء التسوق واتباع طريقة «الأهم فالمهم» ومراجعة تواريخ الإنتاج والصلاحية، وسلامة عبوات المنتج من الخارج حتى لا يقع فريسة للعروض الوهمية أو السلع التى أوشكت على الإفساد. ويقول الدكتور عصام عبدالجواد أستاذ الصحة النفسية بجامعة القاهرة إن الأمر يرتبط بشكل وثيق بفكرة الاستهلاك الذى بات يسيطر على المجتمع المصرى، فبعد الانفتاح والهجرة إلى الخليج وظهور طبقات وشرائح اجتماعية جديدة، حدثت طفرة فى الإمكانيات وتحولنا لمجتمع استهلاكى بحت، وتولدت رغبة فى تعويض النقص وسد أى احتياجات سواء كانت ضرورية أم لا، وانتشرت فى نفس الوقت الأسواق التجارية الكبيرة لتواكب الطبقات الجديدة، ودخلت معها ثقافة «العروض»، والتى يلعب فيها المنتجون على نفسية المستهلك ومحاولة إغرائه، والدليل أن هناك علماً يُدرس هو علم التسويق وبحوث تجرى على طريقة تفكير ومشاعر المستهلك، ومن بين الطرق الترويجية التى يلجأون إليها طريقة «العروض» معتمدين فى ذلك على دافع حب الامتلاك لدى المستهلك، أما الدافع الثانى فهو خوف المستهلك من المستقبل والرغبة فى التوفير والتخزين، وهو ما يحققه البائع بإقناع المستهلك بإمكانية شراء كميات كبيرة بسعر أقل. ويقول أحمد كمال «صاحب محل للعرض فقط»: الناس دائما تسعى إلى الأوفر خاصة فى ظل الغلاء الذى نعيشه، لذلك فكرت فى عمل معرض صغير للعرض فقط، وذلك بالاتفاق مع عدة مصانع، حيث أقوم بطرح منتجاتها وعروضها مقابل الخصومات. نقدم فى المعرض سلعاً مختلفة لكن التركيز الأكبر يكون على السلع الأساسية مثل الأغذية والملابس، لأنها الأكثر أهمية لدى المستهلك.. فالعروض ليست مفيدة دائما فى كل المنتجات، لأن المستهلكين أحيانا يشُكون فى المنتج الذى يدخل العرض، لذلك لابد من شراء العرض الذى يرتبط بمنتجات معروفة وذات سمعة جيدة فى السوق، ولابد أن يشعر المستهلك بالتوفير من وراء اقتنائه لهذا العرض. أما وفاء عبدالرحمن (موظفة) فتقول: أحرص على التسوق من المحال و«السوبر الماركتات» الكبيرة أول الشهر وأحيانا مرة كل أسبوع، لأنها تجدد عروضها فى هذا الوقت وأيضا قبل المواسم مثل رمضان والأعياد والدراسة، لكنى لا أشترى كل العروض، وأكتفى بالعروض الموفرة وما أحتاجه فعليا من سلع. بينما تقول نجوى سيد (ربة منزل): العروض والشوبنج فى «الماركتات» الكبيرة أكبر سبب لتدمير مصروف البيت لأن أغلب السيدات لا يفكرن قبل الشراء، لذلك فأنا أعتمد على الشراء بالتجزئة لأننى أشترى ما احتاجه فقط ولست فى حاجة إلى العروض.