الفرصة التى أتيحت لسمر، لم تتوافر لكثيرين غيرها، فالسفر فى دورة تدريبية إلى ألمانيا لمدة ثلاثة أسابيع وهى لم تبلغ بعد السادسة عشرة من العمر أمر ليس بالهين فى حياة مَنْ فى مثل سنها، وعندما زارت مبنى البرلمان الألمانى، أصيبت بما أطلقت عليه «صدمة حضارية»، ورأت كيف يمكن للدول أن تتقدم بشعبها، حينها فقط وحتى يومنا هذا لم تتوقف سمر الحسينى – 23 عاما، خريجة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية - عن محاولة البحث عن منحة توفر لها السفر والدراسة خارج مصر، بغض النظر عن الدولة التى ستسافر إليها. حالة سمر تتشابه مع عشرات الآلاف غيرها ممن يرغبون فى الحصول على منح، سواء بغرض الدراسة أو الترفيه أو حتى بسبب أمل لديهم فى الهجرة خارج مصر، والذى يعتبر طريق الحصول على منحة هو أولى خطواته، وهو ما جعلها بمجرد تخرجها تتقدم للحصول على منحة أعلنت عنها السفارة البريطانية فى القاهرة للحصول على الماجستير، وأهم شروطها ألا يزيد العمر على 30 عاما، وألا يقوم المتقدم بتسجيل طلب الحصول على الماجستير فى أى مكان آخر، بالإضافة إلى التقدير العام الذى يجب ألا يقل عن «جيد». عدم حصول سمر على منحة السفارة البريطانية، لم يجعلها تتوقف عن التفكير فى الموضوع برمته، بل العكس حاولت أن تجد طرقا أخرى للمنح والسفر، كمدن شرق أوروبا تحديدا فى روسيا وأوكرانيا، وقامت بالفعل بمراسلة أكثر من جامعة بهذه الدول، وحتى هذه اللحظة تجلس سمر فى انتظار منح لم تأت بعد، ولا تعرف تحديدا متى قد يحالفها الحظ وتحصل على واحدة لكنها تقول: «هافضل أقدم على منح طول الوقت لحد ما تجيلى فرصة السفر، لما سافرت ألمانيا حسيت قد إيه الوضع هنا ضعيف وإحنا تعبانين أوى وماكنتش عايزة أرجع، المنحة هتدينى فرصة إنى أعيش وأحقق نفسى وأقول إن أنا موجودة». محسن كمال – 26 عاما – واحد من القلائل الذين اجتازوا اختبار المقابلة الشخصية، وقضى شهرين كاملين فى الولاياتالمتحدةالأمريكية، أما عن أهم أسئلة المقابلة فيقول كمال عنها إن معظمها يتعلق بالمهارات الشخصية ورؤية المتقدم لعملية التغيير والإصلاح فى مصر، فمثلاً «فريدوم هاوس» فى الأساس منظمة حقوقية، وتتعلق موضوعات منحها بأوضاع حقوق الإنسان، وتتكون لجنة المقابلة من أربعة أفراد: اثنان منهم يحملان الجنسية الأمريكية والاثنان الآخران يحملان الأردنية – كما فى حالة كمال – وتستمر المقابلة لمدة تتراوح بين نصف ساعة وخمسة وأربعين دقيقة، ويجب على المتقدم أن يستعد بإجابات لمجموعة من الأسئلة التى لا تخلو المقابلة منها، وهى: «لماذا تريد السفر؟ ولماذا أمريكا تحديدا؟ وما الذى يمكن أن تقدمه لبلدك بعد عودتك من السفر؟». أن تكون لديك وجهة نظر ضد الحكومة، ورؤية سلبية تجاهها من الأشياء التى قد تعزز فرصة الفوز بمنحة «فريدوم هاوس» - كما يرى كمال - بالإضافة إلى بعض الأمور التى يحتاج المتقدم لحسم وجهة نظره فيها، كالتعامل مع إسرائيليين وأصحاب الديانة اليهودية ومقابلتهم خلال المنحة، كما حدث معه شخصيا، ففى حفل استقبال أعده القائمون على المنحة للفائزين بها فى أمريكا، تواجدت بعض الشخصيات من الجمعيات التى تدافع عن حقوق الإسرائيليين، ويحكى كمال: «كان فيه ناس من اللى طالعين المنحة معايا عندهم مشكلة فى التعامل مع أفراد الجمعيات دى، لكن أنا بشكل شخصى ماكنش عندى مشكلة فى التعامل معاهم، لأنى مش مقتنع بجدوى الهروب من المناقشة فى حالة مقابلتهم، لكن طبعا الزملاء اللى اعترضوا على التعامل معاهم أكيد هيبقى عندهم مشكلة فى الحصول على منحة تانية». يحاول كمال حاليا التقدم لمنحة طويلة مدتها عامان تقدمها مؤسسة «فولبرايت» التعليمية، ومن أهم شروطها أن يكون المتقدم مصرى الجنسية، وحاصلا على البكالوريوس أو الماجستير من جامعة معتمدة بتقدير جيد جدا، وحاصل أيضا على شهادة «تويفل» محلى بدرجة 580 أو ما يعادلها، ويفسر كمال ذلك بأن الشهرين للذين عاشهما فى الولاياتالمتحدةالأمريكية حصل خلالهما على استفادة أكبر من السنوات الأربع التى قضاها فى الجامعة، حيث أتيح له أن يمارس مجال عمله وهو «حقوق الإنسان» بشكل عملى، بالإضافة إلى إعجابه بنمط الحياة الاجتماعية فى أمريكا، وذلك على الرغم من النجاح الذى يحققه كمال فى مجال عمله فى مصر. عدد المنح التى تقدمها مؤسسة «فورد» الدولية للمصريين 28 منحة كل عام للحصول على فرصة الدراسة بها، تحاول دعاء قاسم- 23 عاما - الحصول على واحدة منها لعمل رسالة ماجستير حول «تقديم تفسير متقدم للشريعة الإسلامية تبعا لأحقية المرأة فى تولى منصبى القضاء ورئاسة الجمهورية» وذلك بعد تخرجها فى كلية الآداب قسم اللغات الشرقية فى عام 2007، تفكر «قاسم» كثيرا فى أنها ستفتقد أسرتها الصغيرة وعائلتها فى حالة السفر للخارج، لكنها تؤكد أن الحصول على منحة للدراسة خارج مصر أمر يستحق التضحية والانتظار، لكنها فوجئت عندما ذهبت للتقديم بكم المواطنين الذين يرغبون فى الحصول على نفس المنحة، رغم شروطها الصارمة وأهمها: أن يكون لدى المتقدمين نشاط فى مجال الخدمات الاجتماعية أو التطوعية أو التنموية، وخبرة عملية لا تقل عن ثلاث سنوات، وخطاب تزكية من صاحب العمل أو أستاذ فى الجامعة، والالتزام بالعمل داخل مصر بعد دراستهم للمساهمة فى العملية التنموية بعد انتهاء فترة المنحة الدراسية. يعتبر محمد عبدالتواب – 30 عاما – من أطول الحالات انتظارا للحصول على منحة، حيث يحاول السفر منذ أن كان يدرس فى عامه الثانى بكلية التجارة، وقتها كان عمره لا يزيد على 19 عاما، اختمرت فكرة السفر فى ذهنه بعد مشكلة كبيرة وقعت بينه وبين أحد المسؤولين فى كليته، عندما وقعت فى يده بالمصادفة أوراق عن منحات للتبادل الطلابى بين مصر وأمريكا، يقول عبدالتواب»: «لما سألت عن المنح دى قالولى من البداية أن جميعها (محجوزة) لأبناء وأقارب أساتذة الجامعة»، مما أدى إلى وقوع مشكلة كبيرة بسبب هذا الأمر، وشعر بعدها بإحباط ويأس شديدين، وهو ما جعله يقتنع أكثر بعدم جدوى الدراسة فى مصر، وبدأ فى البحث عن منح، والحصول على دورات لغة إنجليزية فى المركز الثقافى البريطانى لأن كل الجهات المانحة تشترط إتقان اللغة الإنجليزية، وقام عبدالتواب بالفعل بالتقديم للحصول على أول منحة من خلال مؤسسة «فورد» فى عام 2001، واجتاز جميع الاختبارات وأصبح على وشك السفر، إلا أن أحداث 11 سبتمبر وقعت لتغير العالم، وتُحبط محاولة عبدالتواب الأولى فى الحصول على منحة، بعدها تقدم للحصول على منحة المجلس الثقافى البريطانى لكنه لم ينجح فى اجتيازها بسبب شرط العمر الذى حدده المجلس بألا يقل عن 25 عاما، وهو ما لم يتوافر فى عبدالتواب وقتها، ثم تشاء الظروف أن يُحرم من الحصول على أى منحة من المجلس الثقافى البريطانى بعدها بسبب التحاقه بالعمل بقسم العلاقات العامة بالمجلس، وهو الشرط الذى يؤكد عليه المجلس بألا يكون المتقدم للمنحة عاملا فيه. من خلال الإنترنت راسل عبدالتواب عددا من الجامعات فى بريطانيا للحصول على منحة، ووفرت له إحداها منحة بنسبة 50% على أن يتحمل باقى التكلفة التى تصل إلى 140 ألف جنيه وهو ما يعلق عليه مازحا «أنا لو معايا المبلغ ده كنت هجيت من مصر من زمان». حاليا يجلس عبدالتواب فى انتظار نتيجة المنحة الرابعة والتى تقدم إليها من خلال مؤسسة «citadel» للحصول على MBA فى مجال التسويق والعلاقات العامة، حتى الآن لم ييأس عبدالتواب من إمكانية حصوله على منحة تغير نظام حياته للأفضل، فينهى كلامه قائلا: «لو ملحقتش السنة دى أو ما اعرفتش آخد المنحة، برضه هقدم تانى عليها السنة الجاية».