فى حضن جبل الشوف اللبنانى، التأم شمل العائلة الدرزية العربية على مدار الثلاثة أيام الماضية، فى لقاء هو الأول من نوعه منذ عام 1948. ورغم تأكيد وزير الدولة اللبنانى وائل أبو فاعور، الذى استقبل الوفد، أن «زمن القطيعة والنسيان والعزلة، التى فرضت على أبناء الداخل الفلسطينى المحتل ولى، ليفتتح عهد جديد»، تعالت أصوات لبنانية معارضة للسماح للوفد الدرزى «الإسرائيلى» بدخول البلاد، معتبرة أن «فى الأمر رائحة تطبيع مريبة». فللمرة الأولى يسمح لبنان – وبرعاية سورية – بدخول وفد رسمى درزى من عرب فلسطين، الذين طالما منعوا من دخول البلدين، نظرا لحملهم الجنسية الإسرائيلية، فى سياق الاتهامات التقليدية التى تكال لهم بالتواطؤ مع الاحتلال الإسرائيلى.جاءت الزيارة التاريخية للوفد الفلسطينى الدرزى للمشاركة فى «مؤتمر الاغتراب الدرزى» (19 – 22 يوليو)، بمشاركة عدد من الشبان الدروز، الذين رفضوا الخدمة الإجبارية فى جيش الاحتلال. ويأتى التسهيل السورى، ومعه الأردنى، لوصول الوفد الدرزى الفلسطينى المكون من 52 شخصية إلى لبنان بمثابة مباركة للجهود «الجنبلاطية» المشجعة لدروز فلسطين، لإعلان رفضهم الخدمة الإجبارية فى إسرائيل، علما بأن هؤلاء الفلسطينيين أنفسهم كانوا يمنعون من دخول البلدين. سعيد، 26 سنة، شاب فلسطينى مشارك فى المؤتمر، قال ل «المصرى اليوم» إنه المجتمع الدرزى فى أراضى 48 يشعر بالتمييز الشديد بالقانون والممارسات الإسرائيلية. «إسرائيل لو استطاعت لألقت بنا فى البحر».يشعر سعيد بالأسى من «الصورة النمطية الملتصقة بدروز فلسطين، من أنهم تعاونوا مع المحتل الإسرائيلى دون أن يسجلوا تمردا يذكر». وأضاف: «للأسف هناك من ارتضى العيش تحت راية الاحتلال، لأنه لا يملك خيارا آخر»، ويتساءل: «قولوا لنا ما كنا قادرين على فعله وقولوا لنا أى دولة عربية التفتت إلينا لتحرير أرضنا بشكل جدى؟!». وحكى سعيد عن اتساع رقعة الشباب الدروز الرافضين للتجنيد الإجبارى فى السنوات الأخيرة. وعزا ذلك إلى شعورهم بأنهم لم يعودوا منعزلين عن إخوانهم العرب بسبب الإنترنت والاتصالات الحديثة. وفى حديثه ل «المصرى اليوم»، وصف الشيخ الدرزى أديب نعيم تلك الأقلية الطائفية، التى لا يتجاوز عددها فى البلدان الثلاثة 700 ألف درزى، بقوله إنها «مثل طبق النحاس»، حين يتم الطرق على أحد أطرافه يرن كله. فالدروز فى بلاد الشام قلما شهدوا انقسامات داخلية دموية، باستثناء انقسامات سياسية تقليدية بين «اليزبكية» و«الجنبلاطية»، إلا أن الشيخ نعيم يدافع عن الاتهامات التى تكال للدروز بأنهم «يمشون فى السياسة مع الاتجاه الطاغى لحماية دورهم التاريخى»، مؤكدا أن: «تاريخنا هو تاريخ مناهضة المحتل والمستعمر وقيادة المقاومة ضده قبل ثورة سلطان باشا الأطرش وبعده». ورغم التاريخ النضالى للدروز المقسمين على فلسطين وسوريا ولبنان، يأخذ عليهم البعض مواقفهم، التى يرون أنها أقرب إلى «الماكيافيلية السياسية». ويدلل أصحاب هذا الرأى على مقولتهم بوليد جنبلاط، الذى كان حليفا لدمشق طوال سنوات الوجود السورى فى لبنان، قبل أن ينقلب عليهم بعد اغتيال الحريرى، واجتماع المجتمع الدولى على مناهضة سوريا، قبل أن يعود مرة أخرى للاقتراب من النظام السورى مجددا.