أنا عادة باكتب مقالى هذا يوم السبت من كل أسبوع، وفى الأسبوع الماضى كتبت، وعدى يوم السبت على خير، وجاء يوم الأحد وبينما أنا فى مكتبى الصبح ولسه بأقول يا هادى فوجئت بالتليفون المحمول وقد تغير لونه وصار «أحمر قانى».. لحظات وتصاعد منه دخان كثيف ملأ الحجرة والتليفون سخن.. الله.. اللون أحمر، والتليفون سخن، والدخان مندفع، تبقى حريقة.. صح؟ جريت على الحوض ورحت رامية التليفون فى الميه.. سمعت طششش.. وبرد، الحمد لله والدخان اختفى.. خير اللهم اجعله خير.. مسكت التليفون وبحلقت لقيت اسم الطالب الأستاذ حمدى رزق.. الله ده صديقى الراجل الطيب الأمير الهادى.. والحقيقة هو طول عمره بنفس الهدوء واللطف حتى فى معارضته واختلافه يكون دمثاً ومعتدلاً فى طرح اختلافه ورفضه، وأنا من يوم ما شفت حمدى رزق بلونه الأسمر وشعره الأبيض رغم أنه مازال صغيراً (حلوة دى؟) وقلت ده من مواليد شبرا، وأكيد أنا شفته بيركب تروماى واحد وعشرين اللى بيروح الدوران زمان.. المهم طلبت الرقم وقبل ما اسمع ولّا أقول آلو.. بدأ التليفون فى التغير تانى وناوى على حريقة تانى.. قلت ما بدهاش.. فتحت التلاجة وفتحت الفريزر وحطيت التليفون وطلبت الأستاذ حمدى.. زعلان منى جداً ليه بس؟ يوووه.. مقال السبت الماضى هو السبب، لأن أنا كتبت عن الصحافة الحكومية على أساس إنها منتجات لإرضاء الحكومة وأصحابها وأولى أمرها ولا يقرأها الناس فى معظمها وعلى الحظ إن ما جعلنى أتغاظ وأستفز وأهرى فروة صحف الحكومة هو مقال فى افتتاح «مجلة المصور» التى يرأس تحريرها الصديق العزيز حمدى رزق.. وأنا أكتب لم أغفل هذا بالطبع ولكنى كنت أعتقد أننى بعيدة عن إغضاب حمدى رزق وأنا لم أذكر أسماء لا الصحف ولا المجلات ولا أسماء الكتاب، وأكثر ما أغضب «حمدى» هو مقولة إن هذه الصحف والمجلات توزيعها قليل، وإن «بعضها»- خد بالك قلت بعضها- إهدار للمال العام.. لأ.. الصراحة أنا قلت كلها وده اللى زعل صديقى العزيز قوى لدرجة إنه بوظ لى الموبايل من كتر ما دخن وشيط لى الشريحة. يا صديقى العزيز.. أنا لا أكتب لغرض فى نفسى ولا من أجل مصلحة ولا ضد مصلحة ولا لهدف محدد ولا لشخص محدد.. وأنا علاقتى بالصحف والصحافة علاقة انتساب، بتاع زمان مش بتاع «بدر»، أى أننى أكتب لأننى أتألم مما أراه معوجاً، وأحزن لكل ما كان جميلاً ونظيفاً وقوياً ومنيراً، وأراه الآن عكس ذلك كله. لقد أصبح هذا الوطن فى حالة محزنة من الضعف والفساد والتخريب وسوء الحظ حتى أصبحت الكتابة بالنسبة لى نوعاً من الاعتراض العلاجى، وفش الغل بالبلدى كده.. ولا تنكر يا صديقى العزيز أن أولى أمر الصحافة القومية- التى أسميها أنا حكومية لأنها لا تتبع القوم ولكنها تتبع الحكام- لا تنكر أن هؤلاء ومن قبل أن تتولى أنت رئاسة تحرير المصور تجاوزوا فى تقديس الحكام حدود المنطق والعقل والحكمة وحتى حدود الدهاء والكذب والمراوغة، وأصبحوا فى معظم ما يكتبون أبواقاً تصدر ضجيجاً مزعجاً من النفاق المفضوح الساذج والكذب والمرارة والتلاعب بالحقائق الواضحة وضوح الشمس، وقد جربت أنا شخصياً من قبل إحداها وعانيت من الحذف والتغيير فيما أكتب، لأنه كان ضد التوجه وضد سياسة الحب والوفاء والدعاء وإرسال القبلات، ولن أذكرك بالذى كتب ليجامل الرئيس فى عيد ميلاده فكان العنوان «يوم أن ولدت مصر» وهو عنوان لا ينسى لأننى اكتشفت يومها أن مصر ولدت عام 1928.. وكان الأجدر بك- وأنت على ما أعتقد تتابع ما أكتب إلى حد ما- أن تتأكد أننى أستطيع أن أفرق بين هؤلاء وبين حمدى رزق، وإن كان ما استفزنى هو مقال افتتاحى فى مجلتك، فلن يكون أبداً هو رأيى فيك.. أدعو لك أن تظل كما كنت شبه أبناء شبرا الأنقياء، وألا تصيبك عدوى تجعلك تضيق بالنقد وتغضب وتشتعل إلى درجة إن الموبايل يدخن ويشيط وأن يزيد لك التوزيع كمان وكمان بحق الأيام المفترجة يا حمدى يا رزق.