ولد محمد عبدالحليم عبدالله، فى قرية كفر بولين، مركز كوم حمادة بمحافظة البحيرة، فى 20 مارس 1913، فى أسرة متوسطة، كان والده فلاحاً يملك بضعة أفدنة، وقد ورث طبيعته الحساسة وحسه الفنى عن أمه، التى كانت محبة للفنون السائدة فى ذلك الوقت فى القرية، مثل الأناشيد والأذكار والأغانى، التى كان يرددها المداحون فى مواسم الحصاد.. وكانت أمه أول شخصية أثرت فى خصاله ووجهت حياته، فهى التى أرسلته للقاهرة لإكمال تعليمه. تلقى محمد عبدالحليم عبدالله، تعليمه الأولى فى القرية، بعد أن حفظ القرآن فى السادسة من عمره، ثم انتقل للقاهرة لاستكمال تعليمه الثانوى والتحق بكلية دار العلوم وتخرج فيها عام 1937، وعمل محرراً فى مجمع اللغة العربية بعد تخرجه. وأثرت دراسته بكلية دار العلوم فى أسلوبه الأدبى، حيث درس الأدب الكلاسيكى والشعر بكل أنواعه ولكنه أحب بشكل خاص المنفلوطى والجاحظ، وقد ظهر تأثره بالمنفلوطى فى كتاباته الأولى بشكل واضح. وأتاح له عمله فى مجمع اللغة العربية فرصة الاطلاع على أنواع أخرى من الأدب فقرأ ل«العقاد»، و«طه حسين»، و«المازنى»، و«حافظ إبراهيم»، و«شوقى»، و«مطران». كما أطلع أيضاً على أنواع المعرفة الأخرى مثل الفلسفة والتاريخ والأدب المترجم من اللغات الأخرى. حاول فى بداياته أن ينظم الشعر، لكنه تحول إلى كتابة القصة، وألف أولى رواياته «غرام حائر» فى الثامنة عشرة من عمره، وهو طالب فى دار العلوم، لكنه لم يكن راضياً عنها واعتبرها عملاً بلا قيمة ولأنه كان خجولاً فلم يطلع عليها أحداً من الأدباء ولم ينشرها فى حياته، لكن أسرته نشرتها بعد وفاته حفظاً لتراثه. وكانت رواية (لقيطة) أولى رواياته التى نشرها وقد لاقت نجاحاً كبيراً، وقد دخل بها مسابقة للرواية فى مجمع اللغة العربية تحت اسم مستعار وحصلت على الجائزة الأولى فى المسابقة 1947، واشتهرت الرواية أكثر من الكاتب، وتحولت بعد ذلك إلى فيلم سينمائى باسم (ليلة غرام) وهو أول بطولة سينمائية للفنانة مريم فخر الدين. تعد «لقيطة» بداية انطلاقته الأدبية، فالنجاح الذى لاقته جعله يشعر بالمسؤولية تجاه القارئ وبدأ فى الاتصال بالأوساط الأدبية والاستماع إلى النقد المشجع منه والمغرض، لكن نقلته الأدبية الكبيرة كانت بعد أن حصل على جائزة الدولة فى الأدب، عام 1953 عن رواية (شمس الخريف) وحصل على بعثة لفرنسا فى نفس العام، فتعلم اللغة الفرنسية وتوسعت مداركه الأدبية والإنسانية على عالم آخر وثقافة أخرى مخالفة لما عاش فيه. تميز أسلوب محمد عبدالحليم عبدالله، بالرصانة والوصف الدقيق للمشاعر الإنسانية والأماكن التى تدور فيها الأحداث، كما حرص على استخدام اللغة العربية الفصحى وابتعد عن اللهجة العامية حتى فى حوارات الأبطال وهو ما أخذه عليه النقاد واعتبروه اهتماماً باللغة على حساب مضمون الرواية، وأن الأبطال يتحدثون بلسان الكاتب حتى لو كانوا أميين، لكنه كان يرى أن الأسلوب كالموسيقى التى يجب أن تصاحب الرقص، فالرقص دون موسيقى، حركات نصف حية كذلك العمل الفنى بلا أسلوب، رقص بلا موسيقى. كما أن كتابته باللغة الفصحى جعلت من كتبه الأكثر مبيعاً فى مصر والدول العربية، لأن الفصحى لا تتغير مع الزمن أما اللهجة فهى تتغير مع الزمان والمكان. تنوعت شخصيات محمد عبدالحليم عبدالله الروائية لكنها فى معظمها كانت تميل للمثالية والتمسك بالفضيلة، وركز فى أعماله الأدبية على نموذج الريفى الذى استقر فى المدينة وكذلك تميزت فى أعماله النماذج النسائية، فالمرأة عنده شخصية إيجابية محركة ومؤثرة فى الأحداث، كما اهتم فى أعماله الأدبية بالأحداث السياسية المختلفة ومشكلات الطبقة المتوسطة بشكل خاص. ومحمد عبدالحليم عبدالله، كان يرى أن لكل كاتب شخصية لا يراها الناس قد يتأثر بها أثناء الكتابة، فهو مثلاً يبدو مرحاً أمام الناس، لكنه عندما يكتب يتحول لشخص حزين، وسر ذلك هو نشأته الأولي، لأن أمه كانت تشكو المرض، ولتعلقه الشديد بها كان يتخيل أنه سيفقدها، فعاش كأنه طفل يتيم وزاد من إحساسه بالحزن سفره إلى القاهرة فى سن الرابعة عشرة، فأحس طعم الانزواء والوحدة، وبقى الحزن فى أعماقه إلى أن انطبع على شخصياته الروائية. محمد عبدالحليم عبدالله، الأديب الرومانسى، الذى لقب ب«شاعر الرواية العربية» كان يرى الحب فى كل شىء وكان يتعمق فى رؤية فلسفية للحب فيرى أنه سبب الحياة وسبب الفناء وسبب العبادة وسبب الإبداع ويقول عن الحب: إنه دخل من النوافذ لكنه لا يخرج منها، يدخل ملتصقاً متسلقاً لكنه إذا أراد أن يخرج سمعنا صوت تحطيم الأبواب المغلقة، يدخل نسيماً ويخرج عاصفة. إننا نأخذ نتاج الحب من أدب وفن ولا نفكر فى عدد ساعات الأرق ولا عدد حبات الدموع، التى كانت أشبه بمخاض الولادة، لما نتمتع به من أدب وفن. لقد أحب قريته (كفر بولين) وعاش وهو يراها الدنيا كلها وكان يظن وهو طفل أن قناطرها تروى أرض الدنيا وعندما سافر إلى فرنسا كان يذكره الريف الفرنسى الساحر بها، لقد كانت بين ضلوعه أينما ذهب ليس لأنها أجمل القرى، ولكن لأنه كان يحبها ولم يكن لهذا الحب سبب فى نظره سوى أنها وطنه وبها قبر أبيه وأمه وتحمل ذكريات طفولته وصباه وزملاء عمره لقد أحبها وأحب أهلها، ولم تشغله حياة المدينة عنها ولا عن هموم أقاربه وأهله هناك لحظة واحدة وكان دائم التردد عليها وبنى هناك بيتاً كبيراً كان يصحب إليه زوجته وأبناءه شتاءً وصيفاً فى الإجازات، ومات وهو فى طريقه إليها بانفجار فى المخ، وتوفى فى مستشفى دمنهور، ودفن فى «كفر بولين»، طبقاً لوصيته فى 30 يونيو 1970.