لطالما كانت إسبانيا دولة يهاجر الناس منها وليس إليها.. فقد هاجر ملايين الإسبان إلى أمريكا اللاتينية فى القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، وخلال فترتى الخمسينيات والستينيات من القرن الماضى غادر نحو مليون إسبانى بلادهم بحثا عن العمل فى فرنسا وألمانيا ودول أخرى بشمال أوروبا. ولكن منذ ثمانينيات القرن الماضى، تغير هذا الاتجاه تماما.. فقد عاد العديد من الإسبان من الخارج خلال ال25 عاماً الأخيرة بفضل الرخاء الاقتصادى والديمقراطية اللذين أصبحت بلادهم تنعم بهما، هذا بالإضافة إلى استقبال البلاد نحو ثلاثة ملايين مهاجر من أمريكا الجنوبية وشمال أفريقيا وأوروبا الشرقية خلال السنوات القليلة الماضية بحثا عن العمل والرخاء. ووفقا للأرقام الرسمية، فإن نحو خمس الأطفال الذين يرتادون المدارس الإسبانية هم من أبناء الجيل الأول أو الثانى لأسر مهاجرة. ولكن الاقتصاد الإسبانى دخل فترة ركود فى السنوات الثلاث الأخيرة، وارتفعت نسبة البطالة فى البلاد إلى نحو 20٪ فى أعلى معدل بين دول الاتحاد الأوروبى. ومع ذلك فإن أغلب المهاجرين الذين يعيشون فى إسبانيا مصرون على البقاء فيها. وبفضل النجاح الذى حققه منتخب إسبانيا فى بطولة كأس العالم 2010 بجنوب أفريقيا بدأ هؤلاء المهاجرون يتوحدون مع الشعب الإسبانى كما لم يحدث من قبل. واختتمت إسبانيا أفضل ظهور لها فى تاريخ مشاركاتها ببطولات كأس العالم بإحراز اللقب للمرة الأولى فى تاريخها بعد فوزها 1/ صفر على هولندا فى النهائى الذى استضافته مدينة جوهانسبرج. وللمرة الأولى فى إسبانيا، انتشرت مهرجانات كأس العالم والاحتفالات الصاخبة بالفريق عبر البلاد ومنذ بداية المونديال. وخلال هذه المهرجانات والاحتفالات كانت مجموعات المهاجرين حاضرة بوضوح دائما، وكانت عادة ما ترفع الأعلام الإسبانية وتلوح بها بين باقى الجماهير الإسبانية الأخرى. وعلقت محطة «راديو إسبانيا» الإذاعية على هذا الأمر بقولها: «من الجيد أن نرى أن كأس العالم كانت وسيلة ناجحة للمساعدة على اندماج المهاجرين فى الثقافة وطريقة الحياة الأسبانية». وقال فرانكلين مهاجر من بيرو، عامل بناء فى مدريد، إن لديه ثلاثة أبناء وقد بدأوا يندمجون فى إسبانيا بفضل كرة القدم». وأعرب عن أمله فى أن تبدأ الأجواء السائدة فى إسبانيا حاليا فى «المساعدة على انتهاء الانقسامات الموجودة فى المدارس دائما بين الأطفال الأمريكيين الجنوبيين والأطفال الإسبان». كما وقف العديد من المهاجرين المغاربة خلف إسبانيا خلال مونديال جنوب أفريقيا. وأكدت سيدة مغربية من طنجة تعمل فى فالنسيا الآن لمحطة «راديو فالنسيا» الإذاعية أنه «بما أن المغرب لم تتأهل إلى كأس العالم فقد كنا جميعا نشجع إسبانيا». كما كانت الجالية الصينية فى إسبانيا، التى تمتلك العديد من المحال التجارية حاليا عبر مدن البلاد، إحدى أكثر الجاليات تحمسا للمنتخب الإسبانى خلال المونديال.