«مات البغل.. مات وها أنا جالس فى مأتمه الذى اهتز له المركز كله، ولن يرى أحد بعد اليوم كرشه الذى لم أفهم أبداً كيف يمشى به إنسان بين الناس دون أن يستشعر الخزى من دمامته المندلقة، مات ومات الزمن الواحد العجيب الذى جمعنا، والذى هضم وجودنا أنا وهو، وهضم أيضاً الضرورة التى لا مفر منها والتى واجهها كل منا، ضرورة أن يكرهنى وأحتقره! مزقته فى خواطرى المكبوتة وفى لوحاتى المجهولة التى رسمته فيها بغلا وذئباً ودودة، وحاول هو دائماً أن يمزقنى بلسانه فى مجالسه، أو يحرجنى باستعلائه المتعجرف فى المناسبات القليلة التى جمعتنا مرغمين لتهنئة أو عزاء، فى هذا الريف الذى لابد أن تلتقى فيه الوجوه. مات فأعصابى فى ذروة توترها وأنا مطرق وسط الناس فى السرادق الكبير وهدير صوت رنان ينصب فى أسماعنا من دكة المقرئ ونواح خادمة فى شرفة البيت المطلة على السرادق يفعم نفسى بإحساس مركب من الضياع والعبث والأسى وشبهة خفيفة من شماتة غير كريمة...» السطور الأولى من رواية سعد مكاوى «الرجل والطريق» التى أصدرت دار الشروق حديثاً طبعة جديدة منها. فى الرواية ينقل لنا مكاوى باقتدار، كما تشير كلمة الناشر «هيامه بالريف وحياة أهله التى يغلفها الهدوء بينما يعتمل داخلها طوفان من المشاعر المختلطة، والأسرار التى لا تمنح نفسها إلا لمتأمل يدرك ثغراتها ويعرف كيف يغوص فى نفوس أهلها».