قبل سنوات تعرف المصريون إلى مصطلح «التنمية الذاتية» من خلال الكتب المترجمة التى يقوم عدد من المكتبات العربية بطرحها فى المكتبات ومعرض الكتاب، ومع الوقت ظهر الإنتاج العربى فى هذا المجال من خلال كتب ومحاضرات تؤكد أنها تستطيع أن تحولك من شخص يائس فاشل إلى سوبر مان، والتعريف العلمى لعلم البرمجة اللغوية العصبية NLP -كما يطلقون عليها- هو المنهج الذى يعرف الشخص بوضعه الحالى، وبالحالة التى يود أن يكون عليها وكيفية الانتقال إليها من خلال طاقاته الداخلية. كانت بداية نجومية علوم التنمية الذاتية والبشرية فى مصر بظهور مجموعة كتب للدكتور إبراهيم الفقى مثل «قوة التحكم فى الذات» و«البرمجة اللغوية العصبية» بسعر 15 جنيهاَ للكتاباً إلى جانب بعض المحاضرات على التليفزيون، حتى تطور الأمر إلى وجود عشرات مراكز تقديم محاضرات التنمية الذاتية، فوصل سعر محاضرات إبراهيم الفقى إلى 2200 دولار، ويقدم خدمة ترويجية من خلال موقعه الإلكترونى بالدفع قبل ميعاد محدد نظير خصم يصل إلى 200 دولار، أما متوسط أسعار كورسات شركة «إليجانس» الخاصة بدكتور شريف عرفة فهو 500 جنيه، بينما يظهر مستوى ثالث فى أسعار الكورسات مثل التى تقدمها مكتبة مبارك بعناوين مثل «الذكاء العاطفى» و«أسرار لغة الجسد» بسعر 40 جنيهاً للمحاضرة، وبزيادة عدد المحاضرين أصبح أمام الشركات الجديدة جهد إضافى لتصنع اسماً وسط الأسماء الموجودة فى السوق المصرية، فوصل الأمر إلى عمل إعلانات على مواقع خاصة وموقع «فيس بوك»، تعرض خلالها تقديم محاضرة مجانية على الإنترنت صوتاً وصورة. الشهادات التى تمنحها تلك المراكز بوصفها «شهادة عالمية» و«شهادة معترف بها عالمياً» – كما تروج المراكز – تمثل أحد الأبواب الخلفية لبيزنس التنمية الذاتية فى مصر، خاصة أن كل المراكز تقريبا تقر بأن شهاداتها صادرة من معهد أمريكى أو أوروبى، وبالرغم من تواجد تلك المعاهد المانحة للشهادات فى أمريكا أو أوروبا بالفعل فإنها ليست أمريكية الأصل، فعلى سبيل المثال معهد IPM أو المعهد الأمريكى للمديرين المحترفين الذى يمنح الشهادات الخاصة بالمحاضر «شريف عرفة»، بالرغم من وجوده بالولايات المتحدةالأمريكية وظهور علم أمريكا على 70% من اللوجو الخاص به إلا أن مؤسسيه مصريون والمناهج المقدمة من خلاله تم إعدادها فى مصر، وتم تأسيسه منذ 5 سنوات فقط، وجميع أعماله فى المنطقة العربية، ويتعاون المعهد مع بعض الجامعات الأمريكية ويقدم للمنطقة العربية بعض الكورسات التى تم اعتماد مناهجها منها مثل جامعة ولاية «ميسورى»، إلا أن تلك الجامعات تؤكد فى موقعها الإلكترونى أن الشهادات الصادرة عن الجامعة فى تلك الكورسات شهادة Non credit أى أنها مجرد شهادة «حضور» وليست شهادة «خبرة». أما المركز الكندى الذى تصدر عنه شهادات دكتور إبراهيم الفقى فهو مركز ضمن مجموعة شركات لإبراهيم الفقى، إذ إنه حاصل على الجنسية الكندية ويعيش هناك، بعد أن ظل فترة من الوقت يمنح شهاداته من خلال مركز يسمى Smart mind academy، الذى يذكر فى شهادته أنه يقع بولاية نيفادا بالولايات المتحدة، ويضع بريداً إلكترونياً للمراسلة يحمل عنوان الموقع الإلكترونى الخاص به وهو[email protected]، لكن بالبحث على الإنترنت لن تجد للموقع وجوداً فعلياً، كما أنه بمحاولة الوصول لمراسلة الأكاديمية بالإيميل المذكور لهم سيصلك إيميل من موفر الخدمة لديك يؤكد أن الرسالة لا تصل، أما أبرز ظواهر فوضى الشهادات الممنوحة فى هذا المجال فقد كان من خلال نشر الفقى بموقعه تحذيراً بعدم التعامل مع بعض الأماكن التى تزور شهادته العالمية الصادرة عن المركز الكندى. ويعلق الدكتور شريف عرفة طبيب أسنان محاضر التنمية البشرية: «هناك الكثير من المحاضرين حالياً فى مصر، منهم من لا يقدم سوى ترجمة لبعض الكتب الأجنبية ومنهم من لا يستند إلى أى أساس علمى على الإطلاق، بل إن بعضهم يستخدم خطوات «الريكى» ويتفاخر بتدريسها كمادة تنمية ذاتية رغم أنها الرقية الشرعية فى الهندوسية، لذلك من يقدم محاضرات التنمية البشرية فى مصر لابد أن يقدم ما يتوافق مع طبيعة الناس فى مصر لأن ما يوجد فى الكتب الأجنبية لن يناسبهم، لما لنا من موروثات ومعتقدات مختلفة، كما أن أسلوب الحياة المختلف والصعب فى مصر يجعل من المستحيل الاستعانة ببعض الأساليب المستخدمة فى الخارج مثل التنويم بالإيحاء لأن الناس ستظن أنها كلام فارغ، لذلك فأنا أعتمد فى مرجعيتى على علم النفس وإدارة الأعمال، وأقوم بعمل مزيج علمى بينهما للوصول بالشخص لتنمية ذاته»، ويضيف: «العبارات الترويجية فى الكورسات أسلوب استعراضى من خلال جمل وعبارات مثل (أخرج المارد الذى بداخلك) لكن الأسلوب ده بيجيب مع الناس وبينجح جدا مع البعض، إضافة إلى أن بعض الناس تحتاج لذلك لأنها مش عارفة تعمل إيه فى حياتها». وعن مدى اعتراف الجامعات العالمية بالشهادات الممنوحة يقول عرفة: «لا أعلم شيئاً عن ذلك لكن أعتقد أنه مجرد تسويق وهو أمر مشروع». ويقول «خالد خلف»، أحد مؤسسى المعهد الأمريكى للمديرين المحترفين: «سوق العمل مش عايزة خزعبلات، من يرد النجاح لابد أن يدرس على أساس علمى فلا يصح أن يكون المستقبل فى دراسة كيفية إعداد المديرين والكوادر الإدارية، وأروح أقول هنومك بالإيحاء وأخرج طاقاتك الكامنة، العلم يقول لو أن نصف سكان الأرض قاموا بعمل مشروعاتهم الخاصة، فالنصف الآخر سيعمل لديهم، لذلك فدورنا هو انتقاء من يصلحون لقيادة المشروعات الخاصة وتنمية مهاراتهم لأنهم يقودون العالم، والنجاح فى علم التنمية البشرية هو ربطها بعلوم الحياة، عايز تنجح ادرس تنمية بشرية فى الإدارة مثلاً متروحش تقولى طلع العملاق اللى جواك! للأسف السوق المصرية حالة متدنية للغاية، والشهادات التى نصدرها تقر بأننا نتعامل مع جامعات أمريكية». وبسؤال «علا عثمان»، مديرة إدارة الموارد البشرية بإحدى الشركات، عن مدى تأثير شهادات التنمية البشرية وال NLP فى السيرة الذاتية لأى شخص قالت: «لا يجب كتابتها على الإطلاق، لأنها غير معترف بها، وكتابتها فى السيرة الذاتية أو طلب الالتحاق بوظيفة أشبه بمخاطرة كتابة (أنا أهلاوى)، كما أن تلك الشهادات شهادات حضور فقط ولا تعبر عن مستوى المتقدم فى هذا المجال».