يُحكى أنه في زمن الخلافة العباسية، حكم بلاد الشام "والي" من النوع الذي يعتبر الفساد "ظاهرة كونية"، على رأي المأسوف على شبابه حسنى مبارك، فعاث هذا الوالي في الأرض فسادا، لا يهمه أن يهلك الحرث والنسل مادام يجمع "الدنانير" لحسابه وحساب حاشيته، حتى ضاق الناس وضجوا بالشكوى منه، فأجمعوا في النهاية على تشكيل وفد منهم لمقابلة الخليفة في بغداد، من أجل رفع شكواهم إليه، والمطالبة بتعيين حاكم جديد. ولمّا سمع الوالي بما اعتزمه الناس، استدعى أعضاء الوفد المقرر سفره للقاء الخليفة، فدخلوا عليه في مجلسه. وبعد الأخذ والرد، قال الحاكم لصبيانه: "آتوني بالقدر"، فجاء الحراس الأشداء بقدر كبير من النحاس يبلغ طوله قامة رجل، كانوا يحملونه بصعوبة، ثم وضعوه أمام القوم. وهنا طلب الوالي من رجال الوفد أن: "انظروا ما في هذا القدر"، فنظروا، فوجدوه مليئا بالذهب حتى ثلاثة أرباعه تقريبا، فقال لهم: "اعلموا أنه لم يتبق أمام هذا القدر سوى الربع لكي يمتلئ عن آخره، فإذا جئتم بوال آخر غيري ستخسرون، لأنه سيبدأ - بدوره- ملء قدره الخاص من البداية"، فخرجوا من عنده عائدين إلى بيوتهم، ولم يذهبوا إلى الخليفة أبدا، فقد يكون "شهاب الدين أظرط من أخيه"! وتلك هي، يا سادتي، خرافة "الفاسد الذي شبع"، وهو في عرف الناس أفضل من نظيره الذي لم يشبع بعد، إنها خرافة شعبية أصيلة سيحدثك عنها أي مصري تتطرق معه للشأن العام، على اعتبار أن الفساد أصبح - مثل حب الوطن- فرض علينا، وأن أي تغيير معناه الاتيان بمزيد من الفاسدين الذين سيملأ كل منهم "قدرا" خاصا به من الذهب، وكأن الفساد صار "قدرا" على هذا البلد. ومعلوم أن في حوزة الأجهزة الرقابية آلاف الملفات "المسكوت عنها" لمئات الفاسدين الذين استحلوا قوت هذا الشعب بعد نامت عنهم "نواطير مصر"، على رأي الشاعر، وهذا الكلام ليس من عندي، ففي حوار مع احدى الصحف الخاصة نُشر الأسبوع الماضي، قال المستشار مجدي العجاتي، نائب رئيس مجلس الدولة - نصا- إن "الشيء المحزن، أن جميع أحكام بطلان الخصخصة التى أصدرها القضاء الإدارى أوصت بالتحقيق الجنائى مع المسئولين المتسببين فى وقائع الفساد التى شابت توقيع العقود، إلا أنه لم تُفتح أى تحقيقات بهذا الشأن، ولم يُقدم أى مسئول للمحاكمة". والسؤال الآن هو: لماذا لا يفتح النائب العام هذه الملفات، وما معنى أن تحتفظ الدولة بها حبيسة الأدراج إلا أنها "شايلاها للعوزة"، وأي "عوزة" هذه؟ وهل لعدم فتح ملفات الفاسدين علاقة بما قاله "السيسي" لرجال الأعمال الذين لم يتبرعوا لصندوق "تحيا مصر" من أنهم "هيدفعوا هيدفعوا"؟! وبماذا يُسمى هذا غير كونه بيعا لتلك الملفات على حساب إعمال القانون لتطهير البلاد من الفساد والمفسدين، ولا فرق هنا بين موظف غلبان "يفتح الدرج" وأكبر رأس في مصر؟ ثم، ألن تسقط الدعوى الجنائية ضد هؤلاء الفاسدين بمضيّ الوقت؟.. يبدو ذلك، ويظهر أن هذه هو ما يراهن عليه أهل الفساد، وأهل الحل والعقد، وقد تآمروا علينا معا! المشهد .. لا سقف للحرية المشهد .. لا سقف للحرية