المتابع لحديث التحالفات السياسية و"التربيطات الحزبية " استعدادا للانتخابات البرلمانية القادمة في مصر يرى عجبا لابد وأن يصاب بالدهشة .فالأحزاب المدنية كلها تبدو في هذا الصدد كأنها تتصارع على فرو الدب قبل صيده كما يقول المثل وتتنازع فيما بينها على تقاسم غنائم معركة لم تحسم ولم تنته بعد . آخر تجليات هذاالعبث السياسي هو الصراع الذي بدأ مبكرا على رئاسة البرلمان الجديد، فحزب الوفد أعلن أنه سيرشح عمروموسى لرئاسة البرلمان القادم بينما ردت قوى يسارية وقومية على ذلك بالرفض مبررة موقفها بأن موسى أحد رموز دولة مبارك . وهكذا وبدلا من أن تسعى هذه الأحزاب للضغط بقوة على الرئيس عبد الفتاح السيسي ، الذي يملك السلطة التشريعية حاليا في غيبة البرلمان ، لتعديل مواد قانون انتخابات مجلس النواب الجديد والذي يجمع كثيرون على أنه قانون كارثي لأنه يمهد الطريق لعودة برلمان تظام مبارك، فإنهم مشغولون بتوزيع المناصب فيما ببنهم. فقانون مجلس النواب الجديد بانحيازه للنظام الفردي بنسبة 80 في المائة من مقاعد البرلمان يفتح الباب أمام سيطرة المال السياسي والنفوذ القبلي والعائلي بينما سيضعف ويهمش الأحزاب السياسية الضعيفة والمهمشة أصلا . كما أن هذه الأحزاب تنسى أنها تتنافس فيما بينها على نسبة العشرين في المائة من المقاعد بنظام القائمة وهي نسبة يشاركها فيها المرشحون المستقلون أيضا، فوفقا للقانون يتوجب علي الأحزاب أن ترشح ضمن قوائمها عددا محددا من الشباب والأقباط والفلاحين والمرأة. كل المؤشرات تقول إن الغلبة في الانتخابات المقبلة ستكون للمرشحين المستقلين على المقاعد الفردية وهم غالبا من كانوا يفوزون في الانتخابات دائما قبل 25 يناير من ابناء العائلات الكبيرة في الريف أو أصحاب النفوذ ورأس المال وليس أصحاب التوجه اوالبرنامج السياسي ما سيقود لبرلمان منزوع السياسة واشبه بمجلس محلي كبيركما قال احدهم . في ضوءهذه المعطيات فإن عملية توزيع المناصب البرلمانية الدائرة حاليا فيما بين الأحزاب وقبل الانتخابات وقبل تعديل القانون تصدق عليها مقولة إن من لايملك يعطي لمن لايستحق ..فكثيرمن هذه الاحزاب لايملك وجودا حقيقيا يؤهله لان يوزع مناصب وبعض الاسماء المطروحة في بورصة الترشيحات لرئاسة البرلمان القادم لاتستحق ذلك. ثمة رأي يقول إن النظام الفردي في الانتخابات هو الأنسب لهذه المرحلة ولظروف مصر السياسية وبالنظر لضعف وهشاشة الاحزاب السياسية .ويستند هذا الرأي إلى ان المصريين لا يصوتون لبرامج سياسية بل لأفراد يعرفونهم ويثقون فيهم. ورغم وجاهة هذا الرأي فإن الانحياز للنظام الفردي يعني مزيدا من الإضعاف والتهميش للأحزاب ومنع وصول كثير من الشخصيات السياسية المعتبرة من دخول البرلمان بسبب عدم قدرتها على المنافسة الفردية ، ولذلك فإن إنعاش الحياة السياسية في مصر يتطلب زيادة نسبة القوائم الحزبية في الانتخابات حتى لا نجد انفسنا امام برلمان بلا نواب سياسيين بل نواب خدمات . فهل هذا هو البرلمان الذي نريد لمصر في هذه المرحلة الخطيرة من تاريخ البلاد؟ وهل يصلح نائب الخدمات الذي أعتاد العيش في كنف السلطة التنفيذية والسير في ركابها أن يكون رقيبا عليها ومحاسبا لها؟ والأهم من ذلك كله هل يصلح هذا النوع من النواب للتصدي لمهمة التشريع والعمل على ترجمة مواد الدستورالجديد لقوانين وتشريعات؟ المقال المقال